القربة ، هذا الانقسام في طول الأمر ومتأخر رتبة عن الأمر ، إذن ففي رتبة معروض الأمر التي هي الرتبة السابقة على الأمر لا يوجد هذا الانقسام للطبيعة ، ولهذا يسمّى هذا بالانقسامات الثانوية ، في مقابل انقسام الطبيعة إلى كونها صلاة في المسجد أو في السوق ، في الثوب الأبيض أو في الثوب الأسود ، فهذه انقسامات معقولة ثابتة في المرتبة السابقة على الأمر.
وأمّا انقسامها إلى ما يكون بقصد الأمر وما لا يكون فهو انقسام في مرتبة متأخرة عن الأمر ، إذن ففي المرتبة السابقة على الأمر ، الطبيعة ليست مقسما ليعقل فيها أخذ القيد تارة ورفضه أخرى.
وهذا البيان الثاني لا يتوقف على دعوى أن التقابل بين الإطلاق والتقييد تقابل العدم والملكة.
البيان الثالث لتقريب هذا المدّعى مبني على مجموع أمرين.
الأمر الأول ، هو أن الإطلاق عبارة عن الجمع بين القيود ، بمعنى أن الإطلاق عبارة عن إسراء الحكم إلى تمام الحالات ، من قبيل العموم ، بحيث تكون الحالات بما هي حالات منظور إليها في المرتبة السابقة على الحكم. كما هو الحال في أكرم كل عالم ، فإنه في المرتبة السابقة على وجوب الإكرام نحن نلحظ العموم ساريا في تمام الحصص والأفراد ، فنحن نلحظ الحصص والأفراد أولا ثمّ نجري الحكم عليها ثانيا ، إذن فالإطلاق عبارة عن الجمع بين القيود في عالم التصور واللحاظ ، إذ من يريد أن يطلق يعني يتصوّر تمام الحصص ويعلّق الحكم عليها بتمامها.
الأمر الثاني ، هو أن المحذور في أخذ قصد القربة قيدا في متعلق الأمر. هو محذور لحاظي ، بمعنى أنه يستحيل أن يلحظ المولى قصد القربة في معروض الأمر ، لأن قصد الأمر يرى في طول الأمر ، فلا يمكن أن يلحظه في مرتبة سابقة على الأمر لئلا يلزم التهافت في اللحاظ.