صاحب الكفاية (١) (قده) من أنّ الإيجاب الواحد للطبيعة ، يكتفى في مقام امتثاله ، بفرد واحد ، وأمّا التحريم الواحد للطبيعة ، فلا يكتفى في مقام امتثاله ، إلّا بترك تمام أفراده ، لأنّ الطبيعة توجد بوجود فرد واحد ، ولا تنعدم إلّا بانعدام تمام أفرادها ، وهذا الانعدام لتمام الأفراد للطبيعة ، هو غير تعدد الحكم ، لأنّ هذا ليس معناه ، إنّه يوجد تحريمان ، بل تحريم واحد ، لكن هذا التحريم هو يقتضي إعدام الطبيعة ، والطبيعة لا تنعدم إلّا بانعدام تمام أفرادها.
ومن هنا ينقدح ممّا تقدم ، في بيان ضابطة الحكم وانحلاله ، عدة أمور.
الأمر الأول :
لقد أشرنا إلى سؤال ، وهو أنه كيف أن الحكم بلحاظ موضوعه ، يكون شموليا وانحلاليا فيتعدد بتعدد أفراد الموضوع ، وبلحاظ المتعلق لا يكون كذلك ، فلا يتعدد الحكم بتعدد أنحاء الإكرام في قولنا «أكرم العالم» ، مع أنّ الملاك فيهما معا هو مقدمات الحكمة والإطلاق الحكمي ، ومثل هذا السؤال ظهر جوابه ممّا تقدم ، فقد تبيّن أن تعدّد الحكم في طرف الموضوع وعدم تعدده في طرف المتعلق ليس من شئون الإطلاق ومقدمات الحكمة بل وظيفتها ، تشخيص حدود الطبيعة التي لاحظها المولى موضوعا ومتعلقا ، فإذا شكّ في أنه لاحظ الطبيعة بلا قيد ، أو مع قيد آخر «كالعدالة» في «العالم» ، فإنّ مقتضى مقدمات الحكمة ، أن اللحاظ المولوي تعلّق بالطبيعة بلا قيد ، وهو معنى الإطلاق ، وعلى هذا ، فإنّ مقدمات الحكمة دخيلة في تشخيص مدلول الخطاب عرفا ، ومن الواضح أن مدلول الخطاب عرفا ، إنّما هو جعل الحكم ، وفي مرحلة الجعل ، لا تعدّد للحكم أصلا ، بل جعل واحد ، وإنّما التعدد وعدمه من شئون عالم فعليّة المجعول ، وعالم تطبيق الموضوع على الخارج ، وتطبيق المتعلق على الخارج.
وفي هذه المرحلة ، يوجد التعدد بلحاظ الموضوع ، ولا يوجد بلحاظ
__________________
(١) المشكيني : ج ١ ص ١١٧.