الحكم عن الإلزام وثالثا ، لا يمنع هذا الحكم عن الأمر الاستحبابي فضلا عن الإلزام.
الوجه الثاني : إن الأمر في الآيتين ، وإن كان مولويا ، لكن يحمل على الاستحباب ، بلحاظ القرينة ، وهي ، أنّ الحمل على الوجوب ، يلزم منه تخصيص (١) الأكثر ، وهو مستهجن عند العرف ، إذ ثبت بالدليل الخاص ، أنه لا يجب الفور في الواجبات ، وكذلك المستحبّات ، بخلاف الحمل على الاستحباب ، فلا بأس به في جميع الموارد ، وقد بنى على هذا الوجه السيد الخوئي (٢).
وهذا الوجه ، لا يتم على مبنى السيد الخوئي والميرزا ، ويتم على المشهور الذي بنينا عليه ، فإنه إن قلنا بأن دلالة صيغة افعل على الوجوب بحكم العقل وليس باللفظ ، فلا يلزم تخصيص الأكثر ، إذ يقال أنّ هذا الأمر وجوب بحكم العقل ما لم يرد ترخيص بخلافه ، وقد ورد ترخيص في أكثر موارده ، إذن ما ورد فيه الترخيص يبنى فيه على عدم الوجوب ، وما لم يرد فيه ترخيص يبنى فيه على الوجوب. وليس هذا تخصيصا للأكثر ، لأنّ الوجوب ليس مدلولا لفظيا للخطاب حتى يلزم إخراج عدم الوجوب منه ، وإنّما الوجوب حكم عقلي معلّق على عدم مجيء الترخيص فلا يتم هذا البيان على هذا المسلك.
نعم بناء على أن الوجوب مدلول لفظي ، يقال بأنّ الصيغة لو كانت مستعملة في معناها الوضعي ، للزم تخصيص الأكثر ، إذ لا وجوب في أكثر الموارد.
وهذا المقام ، من ثمرات مسلك السيد الخوئي والميرزا ، ومسلك المشهور ، وقد تقدم ذلك في بحث صيغة افعل.
__________________
(١) كفاية الأصول : مشكيني ج ١ ص ١٢٣.
(٢) محاضرات فياض : ج ٢ ص ٢١٥.