الوجه الثالث : ما ذكره المحقق العراقي (١) (قده) وهو أن الأمر بالاستباق لو كان إلزاميا ، ويوجب الإتيان فورا ، للزم محذور ، بحسب مقام ظاهر الدليل وتوضيحه.
إن ظاهر قوله تعالى ، (سارِعُوا) و (فَاسْتَبِقُوا) إنما يفيد ، أنّ الخير والمغفرة ، كما يمكن أن يتحقق بالسرعة والاستباق يمكن أن يتحقق بدونهما ، كمن يأمر بالسرعة إلى شرب الماء ، فإنه كما يتحقق الشرب الآن ، يمكن أن يتحقق بعد ساعة ولكن المولى يلزم الآن بالشرب ، إذن فمادة الخطاب المأخوذ فيها الإسراع والاستباق ، سنخ مادة لها نحوان من الوجود ، فيمكن أن توجد بسرعة ، ويمكن أن توجد بدونها ، ولكن المولى يأمر بإيجادها بسرعة ، مع أنه لو فرضنا أن الأمر كان إلزاميا ، فمعناه ، أن الشارع وظّفنا بالعمل الفوري ، وهذا بخلاف ظاهر الدليل ، إذ ظاهره انحفاظ هذا الخير حتّى مع عدم الإتيان به فورا ، وهذا بخلاف ما إذا قلنا بأن الأمر بالمسارعة استحبابي أو إرشادي ، لأنّ الخير والمغفرة سوف يحصل على كل حال ، إمّا بالسرعة وإمّا بالتباطؤ.
والجواب هو : أنّ مفاد دليل الأمر بالمسارعة والاستباق ، لو كان هو الوجوب الشرطي ، بحيث أن الاستباق والمسارعة أخذ شرطا وقيدا في الواجبات الأولية ، من قبيل قيدية الوضوء والاستقبال للصلاة ، فمعنى هذا ، أن الصلاة باطلة أصلا لو أتى بها متأخرا ، وهذا إذن ، ليس بابه باب المسارعة ، بل معناه ، أنّ الخير منحصر في أول الوقت ، بحيث لو أخرّ لم يحصل خير أصلا.
إذن لو كان مفاد الأمر في الدليل ، هو الوجوب الشرطي بهذا النحو ، لتمّ ما إدّعاه العراقي ، ولكن مفاده الوجوب النفسي ، بحيث يكون هذا واجبا آخر وراء تلك الواجبات ، ويبقى الواجب الأول ، هو الصلاة على إطلاقه ، بحيث
__________________
(١) بدائع الأفكار : الآملي ج ١ ص ٢٥٢.