فأجاب المصنّف قدسسره عن توهم القائل بكون الخروج منهيا عنه ومأمورا به ، بان هذا الاستدلال انما يكون في قبال الاشاعرة ، لا في مقام جواز تعلق التكليف بالواجب او الممتنع ، كما يتعلق التكليف بالممكن.
قالت الاشاعرة بان افعال العباد اضطرارية وهم مجبورون في افعالهم ، ولهذا اشتهرت بالطائفة الجبرية ، واستدلت بان الشيء ما لم يجب لم يوجد.
ومن الواضح ان مقتضي علية شيء لشيء آخر امتناع التفكيك بينهما وجودا وعدما ، فاذا وجدت العلة وجب وجود المعلول ، وإلا لم تكن علة وهو خلف ، وإذا عدمت العلة امتنع وجود المعلول وإلّا لم يكن معلولا وهو خلف ، وحيث ان العلة مرددة بين الوجود والعدم ، فالمعلول مردد بين الوجوب والامتناع ، فصحّ ان يقال ان الشيء ما لم يجب لم يوجد ، إذ معنى هذا القول ان الشيء اما ان يجب وجوده او لا يوجد اصلا ، فظهر من وجه الاستدلال به على كون افعال العباد غير اختيارية ، لأنهم اما أنهم ارادوا بعد اتيان مقدمتها فعل الشيء فوجد قهرا واما ان لا يريدوا فعله بعده فعدم اضطرارا بلا اختيار.
فأجاب المصنّف قدسسره ان الوجوب او الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار ، إذ الوجوب مستند إلى وجود العلة ووجودها مستند إلى الاختيار ، والامتناع مستند إلى عدم العلة وعدمها مستند إلى الاختيار ، وكلاهما ، أي وجود العلة وعدمها ، مستندان إلى الاختيار ، لأن العبد بالاختيار فعل المقدمات وبالاختيار اراد فعل الشيء ، أو بالاختيار ترك المقدمات وبالاختيار لم يرد فعله.
فبالنتيجة : أوجد العلة بالاختيار او تركها بالاختيار ، فالعلة وجودا وعدما اختيارية ، وكذا المقدمات اختيارية ، فلا شبهة في صحة التكليف بالوجوب او الامتناع ، لكون العلة اختيارية. فانقدح ان المنافي للتكليف هو الوجوب او الامتناع غير المستندين إلى الاختيار ، وحينئذ يظهر أن ليس المقصود من عدم منافاة التكليف بالوجوب او الامتناع للاختيار ان الشيء في ظرف وجوبه أو امتناعه