أو كان القدر المتيقن في مقام التخاطب ، فلا يدل على الاستيعاب والاستغراق وان كان المتعلق مطلقا غير مقيد ظاهرا ، وهذا اوضح شاهد على عدم دلالة نفس النهي عليه ما دام لم تجر مقدمات الحكمة وقرينتها ، فدلالتهما على الاستيعاب منوط بالاطلاق وهو منوط بالمقدمات المذكورة أولا ، وبحكم العقل ثانيا ، فالنهي كالأمر من هذه الناحية.
فان قيل ان أداة النفي والنهي وضعت للعموم والاستيعاب فلا حاجة حينئذ إلى شيء آخر من مقدمات الحكمة ، إذ يستفاد من قول المولى (لا تغصب) حرمة جميع مصاديق الغصب ، ويستفاد من قوله (لا تغصب) الإخبار عن اعدام عموم افراده في الخارج ، قلنا ان أداتهما مثل لفظ الكل ، لأن ارادة المطلق والمقيد فيه تابع لمدخوله ، فاذا كان مطلقا غير مقيّد ، نحو (اكرم كلّ عالم) فيتسع ، وان كان مقيدا نحو (اكرم كل عالم عادل) فتضيق ولا منافاة بين تضييق المدخول وبين وضع لفظ الكل للعموم ، إذا المراد عموم ما يراد من المدخول لا غير فكذا البحث فيهما.
فاطلاق مدخول لفظ الكل يتم بمقدمات الحكمة ، فكذا الاطلاق في مدخول النفي والنهي يتمّ بها ، لا بالغير كما ذكر آنفا.
فصار حال النفي والنهي كحال لفظ الكل إذ كما ان لفظه لا يدل على كون مدخوله مطلقا أو مقيدا ، إذ كيفية المدخول من حيث الاطلاق والتقييد بيد المستعمل اما (كلّ) فيدلّ وضعا على استيعاب المدخول سعة وضيقا كما ترى في (اكرم كلّ رجل) و (اكرم كلّ رجل عالم هاشمي قمّي).
وكذا أداة النفي والنهي لا تدل على كون متعلقهما مطلقا أو مقيدا ، لأن كيفية المتعلق اطلاقا وتقييدا بيد المتكلم ، فلا يدلان على اطلاق المتعلق دائما ، ولا على عموميته ، بل يدلان بحسب الوضع على استيعاب افراد المدخول والمتعلق ، فاذا كان مطلقا نحو (لا تغصب) فيدلان على جميع افراد الغصب ، وإذا كان مقيدا نحو (لا تغصب في الحرم) و (لا تغصب في يوم الجمعة) فيدلان على تحريم افراد الغصب في