اختلف الاصوليون في ان الدلالة على انتفاء سنخ حكم المستثنى منه عن المستثنى هل هي من المفهوم او من المنطوق ، واختار المصنف قدسسره الاول تبعا للمشهور ، فاداة الاستثناء تقتضي تضييق دائرة موضوع لسنخ حكم المستثنى منه ، ولازم التضييق المذكور انتفاء سنخ الحكم عن المستثنى ، لان مفاد الاداة نفي حكم المستثنى منه عن المستثنى فلا تكون الدلالة بالمنطوق.
واستدلّ من قال بالمنطوق بان العامل في المستثنى ليس هو العامل في المستثنى منه ، وذلك مثل (جاءني) في نحو (جاءني القوم الا زيدا) بل العامل فيه هو الاداة وهي كلمة (الّا) في المثال لقيامها مقام الفعل وهو كلمة استثنى كقيام حرف النداء مقام (أدعو) و (اطلب) نحو (يا زيد) أي ادعوه ، فهي تدل مطابقة على خروج المستثنى عن حكم المستثنى منه حقيقة إذا كان متصلا ، أو حكما إذا كان منقطعا. فيكون الحكم في طرفه بالمنطوق ، كما قال المصنف : (نعم لو كانت دلالة انتفاء الحكم عن المستثنى بنفس الاستثناء لا بتلك الجملة الاستثنائية كانت بالمنطوق) كما ان هذه الدلالة ليست ببعيدة ولكن تعيين الدلالة بالمنطوق أو المفهوم لا يثمر ثمرة في الفقه الشريف ، إذ ثبوت حكم نقيض حكم المستثنى منه ثابت للمستثنى مطلقا ، أي سواء كان بالمفهوم أم كان بالمنطوق. «لانه إذا كان حكم المستثنى منه ايجابيا كان حكمه سلبيا وبالعكس. هذا إذا قلنا ان الدلالة المفهومية مساوية للدلالة المنطوقية في القوة ، واما إذا قلنا دلالة المفهوم أضعف من دلالة المنطوق كما هو المشهور فيمكن تصوير ثمرة النزاع فيما إذا تعارض الاستثناء ودليل آخر.
فعلى الثاني يقدم الدليل الآخر لكونه اقوى دلالة من دلالة المفهوم لدلالته على الحكم بالمنطوق ، مثلا إذا قال المولى (اكرم العلماء الّا زيدا) وفي الدليل الآخر قال (اكرم زيدا) فيتعارض الاستثناء والدليل الآخر في اكرام زيد ، فيقدم عليه لكونه اقوى دلالة منه.
واما على الاول فيرجع إلى قواعد التعارض وستأتي ان شاء الله في محلها ،