تحقيق المقام من بيان ما يمكن أن يكون محلا للنقض والابرام من شمولها للغائبين أيضا عن مجلس الخطاب ، وهذا محل النقض والاشكال والابرام أيضا أم لا. أما بيان تصور النزاع فيها فعلى وجوه ثلاثة :
فالأول : ان يكون النزاع في أن التكليف المتكفل له لخطاب المشافهة هل يمكن تعلقه بالمعدومين أو الغائبين؟ أو يختص بالحاضرين في مجلس الخطاب؟
الثاني : أيمكن المخاطبة مع الغائبين والمعدومين أم لا؟ فيه نزاع بين الأعلام ، فالنزاع على هذين الوجهين عقلي لأن المرجع في الوجه الأولى إلى امكان تعلق التكليف بالمعدوم وامتناعه به ، والمرجع في الوجه الثاني إلى امكان مخاطبة المعدوم وامتناعه والامكان والامتناع من أحكام العقل ومن شئونه.
الثالث : أن يكون النزاع في وضع أدوات الخطاب ، أهي موضوعة للدلالة على عموم الألفاظ الواقعة عقيبها للغائبين والمعدومين أم موضوعة للدلالة على اختصاصها بالحاضرين في مجلس الخطاب فيه نزاع أيضا ، فالنزاع على الوجه الثالث يكون لغويا (١).
إذا عرفت هذا فلا ريب في عدم صحة تكليف معدوم عقلا ، إذ جعل التكليف بمعنى البعث الفعلي أو الزجر الفعلي لا يعقل ثبوته للمعدومين ، بل الغائبين ، لأنه بهذا المعنى المذكور يقتضي ثبوت موضوعه في الخارج ـ وهو البالغ العاقل القادر الحي ويقتضي التفاته إلى التكليف حتى يصير فعليا في حقه وإلا استحالت فعليته في حقه ، فالمعدوم ليس ببالغ ولا عاقل ولا قادر ولا حي ولا ملتفت إلى التكليف إذ ثبوت شيء لشيء فرع ثبوت المثبت له اعني به الموضوع.
__________________
(١) لأن المرجع فيه إلى ان أدوات الخطاب مثل حروف النداء وهي (يا ، ايا هيا) والهمزة وضمائر المخاطب ، نحو : (أنت ، أنتما ، أنتم ، أنتن) هل وضعت للدلالة على العموم أو للدلالة على الخصوص ولا ريب ان تعيين معاني الالفاظ انما يكون بيد أهل اللغة.