وأما الغائب عن مجلس الخطاب فيمكن فيه البلوغ وغيره ، ولكن هو غير ملتفت إلى التكليف حين الانشاء كي يكون فعليا في حقه فالبعث والزجر الفعليين يستلزمان الطلب النفسي الحقيقي ويمتنع الطلب الحقيقي من المعدوم.
نعم إذا كان جعل التكليف بمعنى إنشاء الطلب وابراز الامر الاعتباري بلا بعث ولا زجر على نحو القضية الحقيقية ، فثبوت الخطاب للمعدومين فضلا عن الغائبين بمكان عال من الامكان فلا استحالة فيه أصلا ، لوضوح انه لا بأس بجعل التكليف على نحو المذكور للموجودين والغائبين والمعدومين حيث ان الانشاء والاعتبار خفيفان المئونة (١). فكما انه يتعلق بالأمر الحالي فكذلك يتعلق بالأمر الاستقبالي ، كما هو الحال في الواجب المشروط بالشرط المتأخر مثل (إذا استطعت فيجب عليك الحج) أو (فحجّ) والمخاطب ليس بمستطيع حين الانشاء. فالمولى الحكيم تبارك وتعالى ينشئ على وفق الحكمة الموجودة في المطلوب والمصلحة من طلب الشيء ، كطلب الحج مثلا ، قانونا كليا بحيث يشمل المعدومين ، والغائبين على نحو القضية الحقيقية فالموضوع فيها قد لوحظ مفروض الوجود ولا مانع من فرض وجود الموضوع ومن جعل الحكم له ، سواء كان موجودا حقيقة أم لم يكن بموجود كذلك إذ لا مانع من فرض المعدوم موجودا ففائدة الخطاب الانشائي للموجود والمعدوم حين الخطاب انه لا حاجة إلى انشاء آخر بعد ما وجد المعدوم وبعد ما وجد الشرائط وفقد الموانع عن فعلية التكليف ، فاذن يصير التكليف بهذا الانشاء فعليا في حقه ، كما لا يخفى.
قوله : فتدبّر في القضية الحقيقية التي ترجع إلى القضية المشروطة
__________________
(١) إذ الانشاء وجعل القانون لا يحتاجان إلى وجود المكلف كما لا يحتاجان إلى الاجراء كما يشاهد هذا في جعل القانون الأساسي من قبل الدولة. وبعبارة اخرى يكفي في صحة الانشاء وجود غرض يقتضيه فلا يكون حينئذ لغوا.