أي متى انجز الكلام إلى النسخ في هذا المقام فلا بأس بصرف عنان الكلام إلى ما هو منتخب القول في النسخ فاعلم ان النسخ في اللغة بمعنى الإزالة ومنه نسخت الشمس الظل ، أي ازالته ، وفي الاصطلاح هو رفع أمر ثابت في الشريعة المقدّسة بارتفاع أمده وزمانه ولا يفرق فيه بين أن يكون الامر الثابت في الشريعة المقدسة حكما تكليفيا أو وضعيا فارتفاع الحكم بارتفاع موضوعه ، كارتفاع وجوب الصلاة بخروج وقتها وكارتفاع وجوب الصوم بانتهاء شهر رمضان المبارك ليس من النسخ في شيء فالنسخ وان كان رفع الحكم الثابت اثباتا أي رفع الحكم الواقعي الأولي أو رفع الحكم الواقعي الثانوي في مقام الاثبات لكن النسخ في الحقيقة دفع له لكشفه عن عدم المقتضي لثبوت الحكم واقعا على نحو الدوام بعد النسخ.
فالدليل اقتضى استمرار الحكم ودوامه في مقام الاثبات فالناسخ كشف عن عدم المقتضي لدوام الحكم ثبوتا وان أمده ينقضي وان كان ظاهر الدليل يقتضي دوامه واستمراره ولكن انّما اقتضت الحكمة اخفاء أمد الحكم في بدو الأمر مع انه بحسب الواقع له أمد وغاية إذا كان النسخ بعد حضور وقت العمل أو اقتضت أصل انشاء الحكم واقراره مع انه في الواقع ليس للحكم قرار وثبات إذا كان النسخ قبل حضور وقت العمل ، فالنسخ دفع ثبوتا وان كان رفعا اثباتا.
وذلك لأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم الصادع أي القاضي للشرع ربما يلهم من قبل الله تبارك وتعالى أو يوحى اليه أن يظهر الحكم وان يظهر استمراره للناس مع علمه على حقيقة الحال وانه سينسخ في الاستقبال أو مع عدم اطلاعه ومع عدم علم النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم على نسخ الحكم في الاستقبال.
وذلك لعدم إحاطة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بتمام ما جرى في علم الله تبارك وتعالى ، ويحتمل أن يكون من قبيل اظهار الحكم وانشائه بسبب الرؤيا فقد أمر الله إبراهيم الخليل بذبح ولده اسماعيل النبي عليهماالسلام مع عدم كون المأمور به مرادا جديّا للمولى في الواقع ومع عدم علم الخليل بالنسخ.