وحيث عرفت ان النسخ بحسب الحقيقة والواقع يكون دفعا وان كان بحسب الظاهر رفعا فلا بأس به مطلقا أي سواء كان قبل حضور وقت العمل بالمنسوخ أم كان بعد حضور وقت العمل بالمنسوخ لعدم لزوم البداء المحال في حقه تبارك وتعالى بالمعنى المستلزم لتغيّر إرادته تبارك وتعالى ، مع اتحاد الفعل ذاتا وجهة.
وهذا إشارة إلى دفع الاشكال الوارد على النسخ.
بيانه : ان النسخ يستلزم أحد محذورين لا يمكن الالتزام بشيء منهما اما عدم حكمة الناسخ ، وهو الله تعالى ، واما جهله بهما وكلاهما مستحيل في حقه تبارك وتعالى ، بل يحتمل أن يكون المراد من الذبح مقدّماته كالاضطجاع وتناول السكين وسد الرجل بقرينة قوله تعالى للخليل (قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا).
والسبب في هذا الاستلزام ان تشريع الأحكام وجعلها من الله تعالى يكونان على طبق الحكم والمصالح لبداهة ان جعل الأحكام جزافا وبدون مصلحة ينافي حكمة الباري تعالى. فلا يمكن صدوره منه تبارك وتعالى. فالأحكام الشرعية والقوانين الالهية لا بد أن تكون تابعة للحكم والمصالح ، كما عليه العدلية.
وفي هذا الضوء ، فرفع الحكم الثابت في الشريعة المقدّسة لرفع موضوعه لا يخلو من أن يكون مع بقاء الحال على ما هو عليه من جهة المصلحة وعلم الناسخ بها أو يكون من جهة البداء وكشف الخلاف كما يقع ذلك الأمر المذكور غالبا في الأحكام العرفية وقوانينها ، والأول ينافي حكمة الحكيم المطلق إذ مقتضي حكمته استحالة صدور الفعل منه جلّ وعلا جزافا. ومن المعلوم ان رفع الحكم الثابت مع بقاء مصلحته وحكمته أمر جزاف فيستحيل صدوره منه عزّ اسمه.
والثاني يستلزم الجهل منه تعالى ، وهو محال في حقّه سبحانه وتعالى.
فالنتيجة ان وقوع النسخ في الشريعة المقدّسة يستلزم المحال فهو محال لا محالة إذ مستلزم المحال محال أيضا ، كما ان الدور مستلزم المحال وهو تقدّم الشيء على نفسه وتأخره عن نفسه ، فهذا محال فالدور محال أيضا لأنّه مستلزم المحال.