والجواب ان الأحكام المجعولة في الشريعة المقدسة من قبل الحكيم تعالى على نوعين :
أحدهما : ما لا يراد منه البعث أو الزجر الحقيقيين مثل الأحكام الصادرة لغرض الامتحان أو ما شاكله. ومن الواضح انّه لا مانع من اثبات هذا النوع من الأحكام أولا ثم رفعه حيث ان كلا من الاثبات والرفع في وقته قد نشأ عن مصلحة وحكمة فلا يلزم من رفعه خلاف الحكمة لفرض ان حكمته ، وهي الامتحان ، قد حصلت في الخارج ومع حصولها فلا يعقل بقاء الامتحان ولا يلزم من رفعه كشف الخلاف المستحيل في حقّه تعالى حيث لا واقع لهذا الحكم غير الامتحان.
وثانيهما : ما يراد منه البعث أو الزجر الحقيقيين ومع كون المجعول حكما حقيقيا لا مانع من نسخه بعد زمان إذ المراد من النسخ انتهاء الحكم الشرعي بانتهاء أمده يعني ان المصلحة المقتضية لجعله تنتهي في ذلك الزمان فلا مصلحة للحكم بعد ذلك.
وعليه فبطبيعة الحال يكون الحكم المجعول في الشريعة المقدّسة على طبق المصلحة بحسب مقام الثبوت مقيدا بذلك الزمان الخاص المعلوم عند الله تعالى المجهول عند الناس ، فيكون ارتفاعه بعد انتهاء ذلك الزمان لانتهاء أمده الذي قيد به في الواقع وحلول أجله الواقعي الذي أنيط به وليس المراد منه رفع الحكم الثابت في الواقع ونفس الأمر حتّى يكون مستحيلا على الحكيم تعالى العالم بالواقعيات ، وكي يلزم تغيّر إرادته مع اتحاد الفعل ذاتا وجهة ، أي مصلحة. إذ مع تغيّر الفعل ذاتا أو جهة لا يكون تغيّر الإرادة بمستحيل ، هذا أوّلا.
وثانيا : استشكل على النسخ بأن الأفعال تابعة للحسن والقبح. وعليه فإذا كان في الفعل مفسدة لما أمر به أوّلا. وإذا كان فيه مصلحة لما نهى عنه ثانيا.
وثالثا : استشكل عليه بأنّه يستلزم الجهل لأن جعل الحكم ناشئ عن العلم بالمصلحة فيه فإذا نسخ فهو يكشف عن عدم العلم بالمصلحة وعن الجهل بها.