رابعا بأن جعل الحكم تابع للارادة فنسخ الحكم مستلزم لتغير الارادة وهو محال في حقّه تبارك وتعالى إذ ارادة الباري عزّ اسمه عين ذاته المقدّسة ، وذاته لا تتغير أصلا.
والجواب عن كلّها ان النسخ عبارة عن انتهاء الحكم بانتهاء أمده فالمصلحة المقتضية لجعله تنتهي في ذلك الزمان ، فلا مصلحة للحكم بعد ذلك ، فالنسخ دفع كاشف عن عدم المقتضي الذي هو مصلحة الحكم لدوامه واستمراره.
فلا يلزم حينئذ بعد ورود الناسخ البداء المحال في حقّه سبحانه وتعالى. لأنّ البداء منه تعالى بمعنى إظهار الشيء بعد إخفائه وهو ليس بمحال منه تعالى ، بل البداء المحال في حقّه تعالى هو بمعنى ظهور الشيء بعد خفائه ، وليس النسخ برفع الحكم بعد ثبوته لموضوعه أو برفع دوام الحكم واستمراره كي يلزم البداء المحال والجهل وتغيّر الإرادة وجعل الحكم جزافا إذ يلزم كلّ هذه الأمور إذا كان النسخ بمعنى رفع أصل الحكم المجعول أو رفع دوامه واستمراره وليس الأمر كذلك كما عرفت آنفا. وعلى طبيعة الحال ، فليس النسخ قبل حضور وقت العمل بالمنسوخ بمستحيل إذ هو بمعنى الدفع ثبوتا وواقعا لا الرفع.
وعليه ، لم يكن الأمر بالفعل ، كالأمر بذبح اسماعيل النبيّ عليهالسلام من جهة كونه مشتملا على مصلحة إذ لا مصلحة أصلا في ذبحه ، بل كان إنشاء الأمر به عن حكمة ومصلحة كما لا يخفى.
أو كان اظهار دوام الحكم عن حكمة ومصلحة لا علم لنا بها ، كإظهار الباري عزّ اسمه للنبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم دوام التوجّه حال الصلاة إلى بيت المقدس زاد الله تعالى شرفه ، ثم نسخه بقوله (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) ، هذا حال النسخ في التشريعيات.