يقول المولى لعبده : (ادع عند رؤية الهلال لا سيّما رؤية هلال رمضان المبارك) ، ثم يقول : (وادع عندها دعاء آخر) أو (مرة اخرى) ، كي يعلم ان الطبيعة المأمور بها في الأمر الثاني غير الطبيعة المأمور بها في الأمر الأول ، فيكون مقتضي المادة تأكيد الثاني للأول.
وأما مقتضي ظاهر الهيئة فهو تأسيس الثاني للحكم ، لأن ظاهرها انها صادرة عن ارادة وقصد ، وكل أمر صادر عن ارادة وقصد يكون للتأسيس لا للتأكيد والتوكيد لأنه خير منه ، كما قيل انه إذا دار الأمر بينهما فالتأسيس خير من التوكيد والتأكيد ، فمقتضى الهيئة يخالف مقتضي اطلاق المادة.
ولكن لا يبعد ان يكون الأمر دليلا لترجيح مقتضي اطلاق المادّة على مقتضي الهيئة ، هذا في الموضع الذي ذكر فيه علة ايجاد المأمور به في الخارج ، كما يقول المولى لعبده : (إذا رأيت الهلال فادع بالدعاء المأثور عندها) ، ويقول في الدليل الآخر : (فادع) بلا ذكر السبب الأول بل يقول : (فادع) فقط.
فبالنتيجة : إذا كان الأمر الثاني مسوقا على نحو الأمر الأول مثل أن يقول : (اعتق رقبة) ثم يقول (اعتق رقبة) بلا ذكر السبب أصلا في الأول ولا في الثاني ، أو ذكر سبب واحد لهما معا كأن يقول : (إذا رأيت الهلال فادع) والمراد من السبب هو رؤية الهلال ، ففي هاتين الصورتين يكون الأمر الثاني مؤكّدا للأوّل بلا اشكال ، ولا حاجة إلى تكرار المأمور به في مقام الامتثال ، بل يكفي ايجاده مرة واحدة لتبادر التأكيد هنا ولعدم تبادر التأسيس هنا.
وأما في الموضع الذي ذكر فيه سببان مختلفان كما إذا قال : (انك إذا رأيت الهلال فادع بالمأثور) ثم يقول : (انك إذا توضّأت فادع بالمأثور) ، فالظاهر حينئذ من الهيئة مع ذكر سبب مختلف هو التأسيس لا التأكيد ، فلا بد من ايجاد المأمور به مرّتين ، إذا كان السبب اثنين ، أو ثلاث مرّات ، إذا كان السبب ثلاثة ، كما يقول : (انك إذا رأيت الهلال فادع بالمأثور) ، و (إذا توضّأت فادع به) ، و (إذا صلّيت فادع به) كما