فكما ان النهي الصادر من المساوي يكون ارشادا والنهي الصادر من السافل يكون اقتضاء ، يكون الطلب العالي نهيا. وان كان النهي مع خفض جناح الناهي ومع كمال الملاطفة ، فالعلو شرط فيه لا الاستعلاء ، وان قال بعض الاصوليين ان يكون الناهي عاليا أو مستعليا على سبيل منع الخلو فلا تفاوت بين الامر والنهي من هذه الجهة اصلا.
نعم ، يختص النهي بخلاف وهو ان متعلق الطلب في النهي هل هو الكف؟ او هو مجرد الترك ونفس ان لا يفعل المنهي عنه؟ قال بعض بالأول ، وقال الأكثر بالثاني وهو الأظهر.
فمعنى (لا تشرب الخمر) على الأول يكون (اكفف نفسك عن شربه) ، وعلى الثاني يكون (اترك شربه).
فالمختار عند المصنّف هو الثاني.
قوله : وتوهم بعض ان الترك ومجرد أن لا يفعل خارج عن تحت الاختيار فلا يصح أن يتعلق به البحث والطلب فاسد ...
وتوهّم بعض ان الترك أمر أزلي سابق على قدرة المكلف وسابق على نفس المكلف ، فاستدلّ للقول الأول انه يعتبر في متعلق التكليف عقلا أن يكون مقدورا للمكلف ، والترك الأزلي ليس مقدورا لأن القدرة صفة في القادر يترتب عليها الأثر من الفعل والايجاد ، ومن الترك والاعدام. والحال ان الترك عدم محض لا يصلح أن يكون أثرا للقدرة المتأخرة مترتبا عليها ، فان العدم لا يترتب على الوجود ، كيف يترتب عليه مع ان العدم الأزلي سابق على القدرة فكيف يستند إلى القدرة مع حدوثها ومع تأخرها.
وقال في (المعالم) ان النهي تكليف كالامر ، ولا تكليف إلّا بمقدور للمكلف ، ونفي الفعل يمتنع أن يكون مقدورا للمكلف ، لكون عدم الفعل عدما اصليا ازليا ، والعدم الأصلي الأزلي سابق على القدرة وحاصل محقق قبلها ، فاذا كان معنى (لا