الإنفاق في سبيل الله ركن أساسى من أسس الدين ودعامة من دعائم الدولة ، فما بخلت أمة بمالها إلا حاق بها الذل والاستعباد ، وسلط الله عليها الأعداء من كل جانب يتكاثرون عليها كما تتكاثر الأكلة الجياع على المائدة.
والإنفاق في سبيل الله واجبا كان أو مندوبا. ما دام في وجوه الخير ومحاربة الجهل والفقر والمرض ونشر الدين وخدمة العلم ، فهو مما يطلبه الدين ويحث عليه الشرع ، ولذا ترى القرآن الكريم قد تكلم عنه في عدة مواضع وحث عليه بأساليب شتى وضرب الأمثال ورغّب ورهّب وبيّن ووضّح.
المعنى :
مثل نفقة الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ولإعلاء كلمته وإسعاد الوطن وأهله كمثل حبة أنبتت سبع سيقان في كل ساق سنبلة في كل سنبلة مائة حبة ، وذلك يكون في أخصب أرض وأجود تربة وأحسن بذر ، ولا غرابة في ذلك ، فهذا القمح والأرز تنبت الحبة فيه هذا القدر.
وهذا تصوير وتمثيل للأضعاف والإضافة في الزيادة والأجر ؛ يضاعف هذه المضاعفة أو أكثر منها لمن يشاء إذ هو الواسع الفضل الغنى الكريم العليم بكل شيء.
الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله وهذا جزاؤهم في الدنيا والآخرة إنما يستحقون ذلك بشرط ألا يتبعوا ما أنفقوا منّا على الفقير بأن يعتدّ عليه بما فعل به وألا يتبعوا ما أنفقوا بالأذى والضرر فلا يتطاول عليه المنفق ويطلب جزاء عمله.
وعدم المن والأذى مطلوب منك أيها المنفق وقت الصدقة وبعدها وإذا حرم عليك بعد الصدقة فوقتها من باب أولى ، وهذا هو السر في التعبير بثم.
هؤلاء المنفقون في سبيل الله الذين لم يمتنّوا ولم يؤذوا أحدا لهم أجرهم الكامل عند ربهم ولا هم يحزنون وقت أن يحزن البخيل ويندم على إمساكه (رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) [سورة المنافقون آية ١٠].
كلام جميل تهدأ به نفس السائل وتردّ به ، ومغفرة لإساءته في الإلحاف ، خير للسائل والمسئول من صدقة يتبعها أذى وضرر إذ الصدقة شرعت لتقريب الناس بعضهم من بعض