التقدير ، إله حاكم على أفعال الله وأفعالهم ، فإذا قدر شيئاً وقضى لا يمكن له نقض قضائه وقدره ، بل يجب عليهما أن يصيرا حسب ما قدر ، فالفواعل على هذا المعنى ـ سواء أكانت شاعرة عالمة بذاتها وأفعالها أو غير شاعرة وعالمة ـ ، مسيّرة لا مخيّرة ، لأجل حكومة القدر وسيادته على الله وأفعاله وعلى حرية عبده ، فأي إله أعلى وأسمى من القدر بهذا المعنى . فصح تشبيه القدرية ـ بهذا المعنى ـ بالمجوس القائلين بالثنوية وتعدد الإله .
وأما نفاة القدر الذين يقولون لا قدر ولا قضاء بل لله الحكم في أوله وآخره ، وأن عباده مخيرون في أعمالهم وأفعالهم ، فهم أشبه بالموحدين من القائلين بالمعنى السابق الذكر .
نعم يمكن تقريب كون النفاة بحكم المجوس ببيان آخر وهو : أن تلك الفرقة يعتقدون بالتفويض ، وأن الإنسان مفوض إليه في فعله ، مستقل في عمله وكل ما يقوم به . فعند ذلك يكون الإنسان فاعلاً غير محتاج في فعله إلى خالقه وبارئه ، ويصير نداً له سبحانه وتعالى فكما هو مستقل في خلقه فذاك أيضاً مستقل في عمله .
وهذا الاعتقاد يشبه قول الثنوية ، من الاعتقاد بخالقين مستقلين : خالق النور وخالق الظلمة . وفي مورد البحث يعتقد نفاة القدر بخالقين : الله سبحانه بالنسبة إلى ما سواه غير أفعال الإنسان ، والإنسان في مجال أفعاله وأعماله ، فلكل مجال خاص ، وهذا الاعتقاد يخالف التوحيد في الخالقية والفاعلية ، وأنه ليس هناك إلا خالق واحد ، كما أنه ليس هناك فاعل مستقل . فكل ما في الوجود من الآثار مع استناده إلى مبادئها ومؤثراتها ، مستند إلى الله سبحانه ، وسيوافيك توضيحه عند البحث في القضاء والقدر .
ولا
يخفى ما في هذا الوجه من الوهن ، لأن الحديث يركز على كونهم بمنزلة المجوس ، لأجل كونهم نافين للقدر ، لا لأجل كونهم قائلين بالتفويض ، وأن الإنسان بعد الوجود ، مفوض إليه فعله وعمله ، ولا صلة لفعله إلى الله سبحانه بوجه من الوجوه . وقولهم بالتفويض وإن كان يصحح ذلك ، لكنه