« النقض » ، يقول فيه : « اتفق المسلمون على أن الله تعالى فوق عرشه وسماواته » .
ولما كان الذهبي ، شديد الميل إلى الحنابلة ، كثير الازدراء بأهل التنزيه ، أخذته العصبية فحاول إصلاح عبارته ، فقال : « أوضح شيء في هذا الباب قول الله عز وجل : ( الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ ) (١) فليُمَرْ كما جاء ، كما هو معلوم من مذهب السلف ، وينهى الشخص عن المراقبة والجدال وتأويلات المعتزلة » (٢) .
يلاحظ عليه : أنّ كتاب الله ليس كتاب لغز ، بل هو كتاب هداية ، فما معنى إثبات شيء لله تعالى وإمراره عليه ، من دون التعرف على مفهومه ومعناه ، وما أحسن قول تلميذه تاج الدين عبد الوهاب السبكي ( ت ٧٢٨ ـ م ٧٧٨ ) في طبقات الشافعية الكبرى في حقه : « إن الذهبي غلب عليه مذهب الإثبات ومنافرة التأويل والغفلة عن التنزيه ، حتى أثر ذلك في طبعه انحرافاً شديداً عن أهل التنزيه ، وميلاً قوياً إلى أهل الإثبات فإذا ترجم لواحد من أهل الإثبات ، يطنب في وصفه بجميع ما قيل فيه من المحاسن ويبالغ في حقه ، ويتغافل عن غلطاته ، ويتأول له ما أمكن وأما إذا ترجم أحداً من الطرف الآخر ، كإمام الحرمين ، والغزالي ونحوهما ، لا يبالغ في وصفه ، ويكثر في قول من طعن فيه ، ويعيد ذلك ، ويبديه ، ويعتقده ديناً ، وهو لا يشعر ، ويعرض عن محاسنهم الطافحة ، فلا يستوعبها ، فإذا ظفر لأحد منهم بغلطة ذكرها ، وكذلك فعله في أهل عصرنا ، إذا لم يقدر على أحد منهم بتصريح يقول في ترجمته : « والله يصلحه » ، وسببه المخالفة في العقائد » (٣) .
٢ ـ خشيش بن أصرم ، مصنف كتاب « الاستقامة » يعرفه الذهبي بأنه يرد فيه على أهل البدع (٤) ، ويريد منه أهل التنزيه الذين لا يثبتون لله سبحانه
____________________
(١) سورة طه : الآية ٥ .
(٢) سير أعلام النبلاء : ج ١٣ ، ص ٣٢٥ .
(٣) طبقات الشافعية الكبرى : ج ٢ ص ١٣ .
(٤) تذكرة الحفاظ : ج ٢ ص ٥٥١ .