أولا : إذا كان المصدر للاعتقاد بأن لله سبحانه أعضاء هي هذه الأحاديث ـ أو بعض الآيات على ما زعموا ـ فليس فيها شيء يدل على هذه الكلمة : « بلا كيف » ، بل هي إضافة منهم بلا دليل . فليس لأهل الحديث الذين يفرون من التأويل ، وحتى يسمون الحمل على المجاز والكناية تأويلاً ، إلا الأخذ بحرفية هذه الأحاديث بتمامها ، لا التصرف فيها .
وثانياً : إن اليد وأضرابها ، موضوعة حسب اللغة للأعضاء المحسوسة التي يعرفها كل من عرف اللغة ، فإجراء هذه الصفات عليه سبحانه يمكن بإحدى صورتين :
١ ـ أن يجري عليه بما هو المتبادر عند أهل اللغة بلا تصرف فيه . وهذا ما عليه المشبهة والمجسمة .
٢ ـ أن يجري عليه بما أنها كناية عن معان كالبخل في قول اليهود ( يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ) (١) والإحسان والجود في قوله سبحانه : ( بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ) (٢) وهذا ما عليه أهل التنزيه ، وليس ذلك تأويلاً للقرآن أبداً ولا اتباعاً لخلاف الظاهر ، إذ لهذه الألفاظ عند الأفراد ظهور تصوري ويراد منها الأعضاء ، وعند التركيب مع سائرها والوقوع في طي الجمل ظهور آخر ، فربما يتحد الظهوران ، مثل قولك لولدك : اغسل يدك قبل الغذاء . وربما يختلفان كما في الجملتين المتقدمتين ، وليس هنا وجه ثالث حتى يتدرّع به أهل الحديث والحنابلة ، دعاة التنزيه لفظاً لا معنى . وما يتفوه به هؤلاء من أن لله يداً لا كالأيدي فإن رجع إلى أحد هذين المعنيين فنعم الوفاق إما مع أهل التشبيه أو مع أهل التنزيه وإلا فيكون أشبه بلقلقة اللسان .
وباختصار : إن القائل بأن له يداً لا يخلو في إجراء اللفظ عليه سبحانه أن يريد أحد وجهين : إما أن يريد المعنى الحقيقي وهو العضو المحسوس فيكون مجسماً ومشبها ، أو يريد المعنى المجازي وهو البخل أو الجود فيكون مؤولاً ، وهو
____________________
(١) و (٢) سورة المائدة : الآية ٦٤ .