٣ ـ وفي أخرى للترمذي : قال : « بينما نحن مع رسول الله ( صلی الله عليه وآله وسلم ) وهو ينكت في الأرض إذ رفع رأسه إلى السماء ثم قال : ما منكم من أحد إلا قد علم ـ وفي رواية إلا قد كتب ـ مقعده من النار ومقعده من الجنة قالوا : أفلا نتكل يا رسول الله ؟ قال : لا ، اعملوا ، فكل ميسر لما خلق له » وأخرج أبو داود الرواية الأولى من روايتي الترمذي (١) .
وهذه الروايات لا تصف العبد فقط بأنه مكتوف اليد بل تصف الله أيضاً مكتوف اليد ومغلولها فلا يخضع القدر لقدرته ، فلا يقدر على تغييره وتبديله . وهذا بنفسه نفس عقيدة اليهود التي نقلها القرآن عنهم ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ) (٢) .
كلام أحمد حول القدر
السابر في كتب أهل الحديث يرى أنهم يهتمون بأمر التقدير أكثر من اهتمامهم بسائر المسائل العقائدية وكأنّ الاعتقاد بالتقدير عندهم أهم من الاعتقاد بالمبدأ والمعاد .
ولأجل ذلك لا ترى تشاجراً ولا بحثاً مبسوطاً حول إمكان المعاد ، ورفع شبهاته وتبيين خصوصياته . ولكن التقدير قد احتل مكانة مرموقة في مجال العقيدة .
وهذا القاضي أبو الحسين محمد بن أبي يعلى قد أخرج في كتابه ما أملاه أحمد بن محمد بن حنبل أو كتبه باسم « عقيدة أهل السنة » ومما جاء فيه (٣) : قال : « والقدر خيره وشره ، وقليله وكثيره ، وظاهره وباطنه ، وحلوه ومره ، ومحبوبه ومكروهه ، وحسنه وسيئه ، وأوله وآخره ، من الله ، قضاء قضاه ، وقدر قدره عليهم ، لا يعدو واحد منهم مشيئة الله عز وجل ، ولا يجاوز قضاءه ، بل
____________________
(١) المصدر السابق .
(٢) سورة المائدة : الآية ٦٤ .
(٣) طبقات الحنابلة : ج ١ ص ٢٥ ـ ٢٧ .