وهذا التوجيه من الأستاذ غريب جداً .
أما أولاً : فلأن الخروج على النظام الظالم إذا كان موجباً لحل قوة الأمة وفك عراها ، يكون الصبر تشويقاً لتماديه في الظلم وإكثار الضغط على الأمة وبالنتيجة : تحويل الدين وتحريفه عما هو عليه من الحق . . . فأي فائدة تكمن في حفظ قوة أمة ، انحرفت عن صراطها وتبدلت سننها وتغيرت أصولها . فإن الظالم لا يرى لظلمه حداً ولتعديه ضوابط ، فلو رأى أن الإسلام بواقعه يضاد آراءه الشخصية وميوله الخبيثة ، عمد إلى تغييره وتحويره فليس يقتصر ظلم الظالم على التعدي على النفوس والأموال ، بل الراكب على أعناق الناس يغير كل شيء كيفما يريد ، وحيثما يرى أنه لصالح شخصه ، والتاريخ شاهدنا الأصدق على ذلك .
وأما ثانياً : فإن الأستاذ أبا زهرة نسب إلى التابعين الذين عاشوا في العصر الأموي إلى أكثر من ثلثي زمانه بأنهم رأوا مظالم كثيرة ومع ذلك نهوا عن الخروج ولم يسيروا مع الخارجين . . . ولكنه غفل عن قضية الحرة الدامية حيث كان الخارجون فيها على الحكومة الغاشمة هم الصحابة والتابعين . . .
وهذا المسعودي صاحب « مروج الذهب » ينقل إلينا لمحة عما جرى هناك ويقول :
«
ولمّا انتهى الجيش من المدينة إلى الموضع المعروف بالحرة وعليهم « مسرف » خرج إلى حربه أهلها ، عليهم عبد الله بن مطيع العدوي وعبد الله بن حنظلة الغسيل الأنصاري ، وكانت وقعة عظيمة قتل فيها خلق كثير من بني هاشم وسائر قريش والأنصار وغيرهم من سائر الناس ، فقد قتل من آل أبي طالب اثنان : عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وجعفر بن محمد بن علي بن أبي طالب ، ومن بني هاشم من غير آل أبي طالب : الفضل بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ، وحمزة بن عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب والعباس بن عتبة بن أبي لهب بن عبد المطلب ، وبضع وتسعون رجلاً من سائر قريش ومثلهم من الأنصار وأربعة آلاف من سائر