٤٣ ـ فقال : ( ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ) (١) يعني القتل يوم بدر ( وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ ) (٢) فانظروا إلى ما أرادكم فيه رأيكم كتاباً سبق في علمه بشقائكم إن لم يرحمكم .
٤٤ ـ ثم قول رسول الله ( صلی الله عليه وآله وسلم ) : « بني الإسلام على ثلاثة أعمال : الجهاد ماض منذ يوم بعث الله رسوله إلى يوم تقوم فيه عصابة من المؤمنين يقاتلون الدجال لا ينقض ذلك جور جائر ولا عدل عادل ، والثانية : أهل التوحيد لا تكفروهم بذنب ولا تشهدوا عليهم بشرك ولا تخرجوهم من الإسلام بعمل ، والثالثة : المقادير كلها خيرها وشرها من قدر الله » . فنقضتم من الإسلام جهاده وجردتم شهادتكم على أمتكم بالكفر وبرئتم منهم ببدعتكم وكذبتم بالمقادير كلها والآجال والأعمال والأرزاق ، فما بقيت في أيديكم خصلة بني الإسلام عليها إلا نقضتموها وخرجتم منها .
* * *
هذه رسالة عمر بن عبد العزيز إلى بعض القدريين مجهولي الهوية ، وقد نسب إليهم إنكار علمه الأزلي في أفعال العباد ، ومصائرهم ، ونحن نتبرأ ممن ينكر علمه الوسيع المحيط بكل شيء ، ونؤمن بما قاله سبحانه : ( وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) (٣) وقوله سبحانه : ( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) (٤) .
ولكن نتبرأ من كل من جعل علمه السابق ذريعة إلى نسبة الجبر إلى الله سبحانه ونؤمن بأن علمه السابق المحيط لا يكون مصدراً لكون العباد مجبورين في مصائرهم وأنهم يعملون ويفعلون ، ويختارون بمشيئتهم التي منحها الله لهم في حياتهم ، ليهلك من هلك عن بينة ، ويحيا من حي عن بينة .
____________________
(١) سورة الحج : الآية ٩ .
(٢) سورة الحج : الآية ٩ .
(٣) سورة الأنعام : الآية ٥٩ .
(٤) سورة الحديد : الآية ٢٢ .