نصب الإمام واجباً بأحد الوجهين ، فإن أقصى ما يمكن أن يقال : إن خلافة هؤلاء كانت أمراً صحيحاً غير مخالف للأصول والقواعد ، ولكن يجب أن يعلم أنه ليس كل قضية صحيحة جزءاً من الدين ، وعلى فرض كونها من الدين ، فليس كل ما هو من الدين يجب أن يعد من العقائد ، وعلى فرض كونها من العقائد فليس كل ما هو يعد من العقائد مائزاً بين الإيمان والكفر أو بين السنة والبدعة . وهذه مراحل ثلاث يجب أن يركز عليها النظر فنقول :
إن غاية جهد الباحث حسب أصول أهل السنة هي إثبات كون خلافتهم أمراً صحيحاً ، لأن نصب الإمام واجب على الأمة عقلاً أو شرعاً ، فلأجل ذلك قاموا بواجبهم فنصبوا هذا وذاك للإمامة ، ونتيجة ذلك أن عملهم كان أمراً مشروعاً ولكن ليس كل أمر مشروع يعد جزءاً من الدين .
فلو قام القاضي بفصل الخصومة بين المترافعين في ضوء الكتاب والسنة فحكم بأن هذا المال لزيد دون عمرو وكان قضاؤه صحيحاً لا يعد خصوص هذا القضاء ( لا أصل القضاء بالصورة الكلية ) من الدين ، إذ ليس كل أمر صحيح جزءاً من الدين ، ولا يصح أن يقال إنه يجب أن نعتقد أن هذا المال لزيد دون عمرو ، ولو تنزلنا عن ذلك وقلنا إنه من الدين ، ولكن ليس كل ما هو من الدين يعد من العقائد فكون الماء طاهراً ومطهراً حكم شرعي ، ولكن ليس من العقائد ، فأي فرق بينه وبين خلافة الخلفاء مع اشتراك الجميع في كونه حكماً فرعياً لا أصلاً من الأصول .
ولو تنزلنا مرة ثانية وقلنا إنه من العقائد ، ولكن ليس كل ما يجب الاعتقاد به مائزاً بين الإيمان والكفر ، أو بين السنة والبدعة ، إذ للمسائل العقائدية درجات ومراتب ، فالشهادة بتوحيده سبحانه ونبوة نبيه وإحياء الناس يوم الدين ، تعد مائزاً بين الكفر والإيمان ، وليس كذلك الاعتقاد بعذاب القبر ، أو سؤال منكر ونكير ، أو كون مرتكب الكبيرة مؤمناً . وعلى هذا الأساس يجب على إخواننا أهل السنة تجديد النظر في هذا الأصل الذي ذهبوا إليه ، وهو جعلهم الاعتقاد بخلافة الخلفاء المشار إليهم ، آية السنة ، ومخالفته آية البدعة .