وهذه الكلمة الأخيرة أعني قوله : « وتحريم ما عداها » تكشف عن رزية فادحة ألمت بالإسلام حيث إن المسلمين قد عاشوا قرابة سبعة قرون ، ومات فيها على دين الإسلام ما لا يحصي عددهم إلا خالقهم ولم يسمع أحد في القرنين الأولين اسم هذه المذاهب . ثم في ما بعدهما كان المسلمون بالنسبة إلى الأحكام الشرعية في غاية من السعة والحرية وكان العامي يقلد من اعتمد من المجتهدين ، وكان المجتهدون يستنبطون الأحكام من الكتاب والسنة على موازينهم المقررة عندهم في العمل بالكتاب والسنة ولم يعلم وجه لهذا الحصر وأنه ليس لأحد من المقلدين أو الفقيه المجتهد أن يخرج عن حد تقليد الأئمة الأربعة ، فبأي دليل شرعي صار اتباع المذاهب الأربعة واجباً مخيراً والرجوع إلى غيرها حراماً باتاً مع أنا نعلم أن هذه المذاهب نشرت في ما نشرت من المناطق بالقهر والغلبة من الحكومات الإسلامية فالحكومة التي كان يروقها الفقه الحنفي كانت تباشر نشره وتكبت غيره وتصد الطريق أمامه والحكومة التي كان يروقها غير الحنفي تعمل مثل عمل الحكومة الأولى وقد أشعلت السياسات الخادعة نيران العداء بين أتباع المذاهب الأربعة طول القرون (١) وعاد وعاظ السلاطين ينحتون لكل إمام من الأئمة الأربعة فضائل ومناقب صدرت عن النبي قبل ميلادهم وإمامتهم (٢) .
هذا حال الدعامة الأولى ولا نطيل البحث فيها ، والذي يجب أن يستنتج مما ذكرناه هو أن من يحلم بخلود الدين وبقاء قوانينه ويرغب في غضاضة الدين وطراوته وصيانته عن الاندراس وغناء المسلمين عن موائد الأجانب ، يجب عليه
____________________
(١) لاحظ تاريخ حصر الاجتهاد لشيخنا العلامة الطهراني : ص ١٤٠ والحوادث الجامعة لابن الفوطي : ص ٢١٦ في حوادث سنة ٦٤٥ واقرأ فيها ملحمة النزاع بين اتباع الأئمة الأربعة ، ولا تنس ما أنشده علي بن الجرجاني عن بعضهم :
مثل الشافعي في العلماء |
|
مثل البدر في نجوم السماء |
قل لمن قاسه بنعمان جهلاً |
|
أيقاس الضياء بالظلماء |
تاريخ بغداد ج ٢ ص ٦٩ .
(٢) لاحظ تاريخ بغداد ج ١ ص ٤١ « مناقب أبي حنيفة » وج ٢ ص ٦٩ « مناقب الشافعي » وقد نقل أحاديث في مناقبهما ولم يكن من الإمامين أثر إلا في عالم الذر .