مختلفين في كثير من هذه الأصول . فصار الإجماع والاتفاق من جانب الإمام سبباً لتناسي ما كانوا عليه من العقائد .
إن الإمام أحمد لما ظهر منه الصمود والثبات في طريق العقيدة ( عدم خلق القرآن وقدمه ) وتحمل المحنة (١) إلى أن أفرج عنه في أيام المتوكل وقربه الخليفة إلى بلاطه صار ذلك سبباً لشهرته وإمامته في مجال العقائد وقد جعلت المحنة من ذلك الرجل الصمود ، بطلاً سامياً تهوي إليه الأفئدة ، وتخضع له الأعناق أضف إليه أنه جند بلاط الخليفة جهوده لترويج أفكاره وآرائه فعند ذلك صار أحمد إمام السنة وناصرها فصارت السنة ما قاله أحمد ، والبدعة ما هجره أحمد ، وكأنهم نسوا أو تناسوا ما كان عليه أسلافهم من الفرق المختلفة .
وعلى ضوء هذا فليس المذهب الحنبلي العقائدي ، مذهباً لعامة أهل الحديث وأهل السنة وإنما هو مذهب الإمام أحمد وقد أخذت هذه الأصول بالانتشار والشيوع عندما انقلب الوضع أيام المتوكل وبعده لصالحه ولولا أن المحنة استبطلت الرجل وخلقت منه رجلاً مثالياً شجاعاً في طريق العقيدة لكان المذهب السني في الناحية العقائدية غير مجمع على هذه الأصول التي يتخيل أنها أصول اتفق عليها أصحاب النبي والتابعون لهم بإحسان إلى زمن إمامة أحمد .
وإن كنت في ريب مما ذكرنا ـ أي اختلاف آراء أهل الحديث وتشتت مذاهبهم في مجال العقائد ـ فاستمع لما يقوله السيوطي ويذكره في هذا المجال ونحن نأتي بملخص ما ذكره ذلك المحدث الخبير وهو يكشف عن وجود المسالك المختلفة والأهواء المتضادة عند أهل الحديث وأنهم لم يكونوا قط على وتيرة واحدة حسبما وحدهم إمام الحنابلة فهم كانوا بين :
مرجئي يرى أن العمل ليس جزءاً من الإيمان وأنه لا تضر معه معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة ونقدم إليك بعض أسمائهم من الذين عاشوا قبل إمامة أحمد أو عاصروه ، نظراء :
____________________
(١) سيوافيك تفصيل ذلك في الجزء الثالث من هذه الموسوعة عند البحث عن عقائد المعتزلة .