وفي كلمة قصيرة عن الإمام عليه السلام ، قال : « وا عجباه تكون الخلافة بالصحابة ، ولا تكون بالصحابة والقرابة » .
قال الرضي ، وقد روي له شعر قريب من هذا المعنى وهو :
فإن كنت بالشورى ملكت أمورهم |
|
فكيف بهذا والمشيرون غُيَّبُ |
وإن كنت بالقربى حججت خصيمهم |
|
فغيرك أولى بالنبي وأقرب (١) |
وبتلك المعايير والمبررات تمت البيعة للخليفة والكل أشبه بالمكافحات الحزبية أو القبلية التي لا تمت إلى الإسلام وأهله بصلة .
فعند ذلك أخذ هؤلاء المهاجرون بزمام الحكم واحداً بعد واحد إلى أن تربع ثالث القوم عثمان بن عفان على منصة الحكم فحدثت في زمانه حوادث مؤلمة وبدع كثيرة أدت إلى الفتك به والإجهاز عليه .
غير أن علياً صلوات الله عليه وبني هاشم وعدة من المهاجرين والبدريين وعدة من كبائر الأنصار تمسكوا بالنص النبوي وبقوا على ما فارقهم رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم عليه ، كما أن رئيس الأنصار الخزرجيين وداعميه لم يبايعوا أبا بكر ولا علياً .
هذا تحليل تكوّن أول تفرق حدث في الإسلام فجعل الأمة فرقتين فرقة تشايع الخلفاء وفرقة تشايع علياً عليه السلام إلى اليوم الحاضر .
والذين شايعوا علياً عليه السلام وتابعوه لم يكن ذلك منهم إلا تمسكاً بالدين مذعنين بأن النبي صلی الله عليه وآله وسلم قد نص عليه من دون أن يكون هناك اندفاع حزبي أو علاقة شخصية أو قبلية بل تسليماً لقوله سبحانه : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) (٢) .
وأما غيرهم فقد عرفت المعايير التي استندوا إليها في تقديمهم على غيرهم فالكل معايير قبلية أو شخصية .
____________________
(١) نهج البلاغة ، طبعة عبده ، قسم الحكم ، الرقم ١٩٠ ، وفي المطبوع تحريف ، والصحيح ما أثبتناه في المتن .
(٢) سورة الأحزاب : الآية ٣٦ .