وقد استمر المنع من تدوين الحديث إلى عهد الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز ( ٩٩ ـ ١٠١ ) فأحس بضرورة تدوين الحديث فكتب إلى أبي بكر بن حزم في المدينة : « انظر ما كان من حديث رسول الله فاكتبه ، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء ، ولا تقبل إلا أحاديث النبي ، ولتفشوا العلم ولتجلسوا حتى يعلم من لا يعلم ، فإن العلم لا يهلك حتى يكون سراً » (١) .
ومع هذا الإصرار المؤكد من الخليفة ، صارت رواسب الحظر السابق المؤكد من قبل الخلفاء الماضين حائلة دون القيام بما أمر به الخليفة فلم يكتب شيء من أحاديث النبي ( صلی الله عليه وآله وسلم ) بعد صدور الأمر منه ، إلا صحائف غير منظمة ولا مرتبة ، إلى أن دالت دولة الأمويين وقامت دولة العباسيين ، وأخذ أبو جعفر المنصور بمقاليد الحكم ، فقام المحدثون في سنة مائة وثلاثة وأربعين بتدوين الحديث وفي ذلك قال الذهبي :
« وفي سنة مائة وثلاثة وأربعين شرع علماء الإسلام في هذا العصر في تدوين الحديث والفقه والتفسير فصنف ابن جريج بمكة ، ومالك الموطأ بالمدينة ، والأوزاعي بالشام ، وابن أبي عروبة ، وحماد بن سلمة وغيرهما في البصرة ، ومعمر باليمن ، وسفيان الثوري بالكوفة ، وصنف ابن اسحاق المغازي ، وصنف أبو حنيفة الفقه والرأي إلى أن قال : وقبل هذا العصر كان الأئمة يتكلمون من حفظهم أو يروون العلم من صحف صحيحة غير مرتبة » (٢) .
ومعنى هذا ، أن العالم الإسلامي اندفع فجأة بعد مضي ١٤٣ سنة من هجرة النبي ( صلی الله عليه وآله وسلم ) نحو هذا الأمر ، فاشتغل العلماء بجمع الأحاديث والفقه وتدوينهما ، وألفت كتب كثيرة في هذا المجال ، واستمرت تلك الحركة إلى حدود سنة ٢٥٠ ، فجمعت أحاديث كثيرة ، ودونت العقائد على طبق الأحاديث المضبوطة ، فإذا كان هذا هو تاريخ الحديث وتدوينه وانتشاره ، يتبين للقاریء بسهولة أن حديثاً لم يكتب طوال قرن ونصفه كيف تكون حاله مع أعدائه الذين كانوا له بالمرصاد ، وكانوا يكذبون عليه بما يقدرون ، وينشرون
____________________
(١) صحيح البخاري : ج ١ ص ٢٧ .
(٢) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ص ٢٦١ .