تقول لرجل مات وترك هذا المال إن الله أعطاه خير الدنيا وخير الآخرة ، وتقطع على الله بذلك ، وأنا سمعت رسول الله ( صلی الله عليه وآله وسلم ) يقول : « ما يسرني أن أموت وأدع ما يزن قيراطاً » فقال له عثمان : وار عنّي وجهك (١) .
نرى أن كعباً يتنبأ بمولد النبي ( صلی الله عليه وآله وسلم ) وهجرته وملكه ، فيقول : مولده بمكة ، وهجرته بطيبة ، وملكه بالشام (٢) .
فماذا يريد كعب بقوله : وملكه بالشام ؟ هل هو إلا تزلف إلى معاوية ، وأنه يريد أن يقول : إن ملك النبي لن يستقر إلا فيها ؟ وقد كان معاوية يمهد وسائل الملك لنفسه بالشام .
وقال أيضاً : إن أول هذه الأمة نبوة ورحمة ، ثم خلافة ورحمة ، ثم سلطان ورحمة ، ثم ملك وجبرية ، فإذا كان ذلك ، فإن بطن الأرض يومئذٍ خير من ظهرها (٣) .
فترى أنه يتنبأ بالسلطنة ويعدّها رحمة ، وهذا المضمون انتشر في الصحاح والمسانيد بكثرة ، وقد روى الترمذي ، قال : « قال رسول الله ( صلی الله عليه وسلم ) : الخلافة في أمتي ثلاثون سنة ثم ملك بعد ذلك » (٤) .
وروى أبو داود قال : « قال رسول الله ( صلی الله عليه وآله وسلم ) : خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم يؤتي الله الملك من يشاء » (٥) .
وسيوافيك أنه أخذ منه أبو هريرة ، ولأجل ذلك نرى تلك الفكرة ـ فكرة الملك ـ جاءت في روايات أبي هريرة ، قال : الخلافة بالمدينة والملك بالشام (٦) .
____________________
(١) مروج الذهب : ج ٢ ص ٣٤٠ .
(٢) سنن الدارمي : ج ١ ص ٥ .
(٣) حلية الأولياء : ج ٦ ص ٢٥ .
(٤) سنن الترمذي : ج ٤ كتاب الفتن باب ما جاء في الخلافة ص ٥٠٣ رقم ٢٢٢٦ .
(٥) سنن أبي داوود : ج ٤ ص ٢١١ .
(٦) كنز العمال : ج ٦ ص ٨٨ .