ومن الأسف أن أكثر من قام بتدوين عقائد الملل لم يتجرد عن أهوائه وميوله ومصالحه الشخصية وغلبت نزعاته وعواطفه الدينية وتعصباته الباطلة على تبني الواقع وإراءة الحقيقة ، فترى أن أكثرهم يكتب عقيدة نحلته بشكل مرغوب منمق ويحاول أن يصحح ما لا يصح ولو بتحريف التاريخ وإنكار المسلمات ، وأما إذا أراد الكتابة عن عقائد الآخرين فلا يستطيع أن يكن عداءه لها ولهذا يحاول أن يعرضها بصورة مشوهة فيأتي في غضون كلامه بنسب مفتعلة وآراء مختلقة وأكاذيب جمة نزولاً على حكم العاطفة الدينية الكاذبة ، أو اعتماداً على الكتب التي لا يصح الاعتماد عليها ، أو تساهلاً في ضبط العقائد والمذاهب إلى غير ذلك من العوامل التي صارت سبباً لحيرة الأجيال المتأخرة في مجال التعرف على عقائد الأقوام والملل ، وضلالها وإساءة الظن فيها .
وأخص من بين تلك العوامل ، الاكتفاء في تبيين عقائد قوم بالرجوع إلى كتب خصومهم وأعدائهم ، وهذا داء عم أكثر مؤرخي العقائد والنحل نظير من ألف من الأشاعرة في ضبط عقائد المعتزلة ، فهم يكتبون عن المعتزلة في ضوء ما وجدوه في كتاب إمام الحنابلة ( أحمد بن حنبل ) أو إمامهم ( أبو الحسن الأشعري ) فينسبون إليهم أموراً لا تجد لها أثراً في كتبهم بل تجد نقيضه فيها ولأجل ذلك صارت المعتزلة مهضومة الحق .
وليست المعتزلة هي الفرقة الوحيدة التي تعرّضت لمثل هذا الهضم بل قد تحملت الشيعة الإمامية القسط الأوفر من الاضطهاد والهضم ، وكأن أصحاب المقالات والفرق اتفقت كلمتهم على الكتابة عنهم من دون مراجعة ولو عابرة إلى مصادرهم ومؤلفاتهم ، وكأن عرض الشيعة حلال ينهبه كل من استولى عليه بقلمه وبيانه ، والقوم يكتبون عن الشيعة كل شيء وليس عندهم من الشيعة شيء سوى كتب أعدائهم وخصمائهم ومن لا يحتج به في باب القضاء والحجاج .
وها نحن نقدم نموذجاً في هذا الباب ونشير إلى كتابين أحدهما لبعض المتقدمين والآخر لبعض المعاصرين ، فنرى كيف أنهما تساهلا في عرض عقائد الشيعة ونزلا على حكم العاطفة ، ورمياها بكل فرية وكأن الصدور مملوءة بالحقد والعداء وإليك البيان :