تعالى ، وينزع الملك ممن اقتضت حكمته.
وهكذا (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ)(١) ، أي من تقتضيه حكمتنا أن نرفعه ، أي من كانت المقتضيات متوفرة في ذات نفسه ، فالاقتضاء إنما هو في ذاته ، فهو محل صالح لهذه العناية الربانية ، وليس اعتباطا أو ترجيحا من غير مرجّح ؛ حيث الحكمة هي وضع الأشياء في مواضعها.
والدليل على ذلك ، تذييل الآية بقوله : (إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) فالحكيم لا يشاء شيئا إلّا ما كان وفق حكمته ، وليس مطلق المشيئة.
والتعابير من هذا القبيل كثيرة في القرآن ، وإنما هي مصطلحات قرآنية ، لا تعرف إلّا من قبله ؛ ليكون القرآن هو الذي يفسّر بعضه بعضا.
ومن المصطلح المتعارف في القرآن ، اعتماده المعهود من قرائن حاليّة ، ليصدر أحكاما في صورة قضايا خارجية ـ إشارة إلى المعهود الحاضر حال الخطاب ـ وليست بقضايا حقيقيّة ، حتى تكون الأحكام مترتبة على الموضوعات ، متى وجدت وأين وجدت. هذه الظاهرة كثيرة الدور في القرآن الكريم ، وربما زعم زاعم أنّها قضايا حقيقية دائمة ، وليست كذلك.
مثلا قوله تعالى : (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ. وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا. وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى. ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ)(٢).
ليس المراد مطلق اليهود ، سواء من عاصر نبيّ الإسلام أم غيرهم ، ولا مطلق
__________________
(١) الأنعام / ٨٣.
(٢) المائدة / ٨٢.