التّعامي ، كما أنه تعالى كرّه إليهم العصيان بأن أظهر قبحه في أعينهم فكرهوه في ذات أنفسهم. فالمؤمن إنما يطيع الله وهو محبّب له الطاعة ، ومن ثمّ فإنّه يقدم على الطاعة في وداعة وطمأنينة ويسر ، كما أنه يجتنب المعاصي في يسر ؛ لأنه عن نفرة لها في نفسه.
وهذه هي قاعدة اللطف تمهيد ما يوجب قرب العباد إلى الطاعة وبعدهم عن المعصية ، مستفادة من الآية الكريمة.
وشيء آخر : مسألة «الحبّ في الله والبغض في الله» وهي أساس الإيمان وصلب العقيدة ، والباعث على الجدّ في العمل ، ومن ثم قال الإمام الصادق عليهالسلام : «وهل الإيمان إلّا الحب والبغض ، ثم تلا الآية الكريمة» (١) وقد قال تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ)(٢).
وأمر ثالث مستفاد من الآية الكريمة : أن هدايته للناس كانت فضلا من الله ورحمة ، ناشئة عن مقام فيضه القدوسي ، وليس عن حق عليه سبحانه (فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ)(٣) ، (وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ)(٤).
فالإنسان بذاته لا يستحق شيئا على ربّه ، وإنما الله هو الذي تفضّل على الإنسان برحمته (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ)(٥) ، ومن ثم عقّب سبحانه الآية بقوله : (فَضْلاً مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً وَاللهُ عَلِيمٌ
__________________
(١) الكافي ، ج ٢ ، ص ١٢٥ رقم ٥.
(٢) آل عمران / ٣١.
(٣) البقرة / ٦٤.
(٤) القصص / ٨٦.
(٥) الأعراف / ٤٣.