وهذه هي «الترجمة الحرفية» أو الترجمة تحت اللّفظية. وهذه أردأ أنحاء الترجمة ، وفي الأغلب توجب تشويشا في فهم المراد أو تشويها في وجه المعنى ، وربما خيانة بأمانة الكلام ؛ حيث المعهود من هكذا تراجم لفظية هو تغيير المعنى تماما ؛ لأنّ المترجم بهذا النمط إنما يحاول التحفّظ على أسلوب الكلام الأصل في نظمه وميزاته البلاغية ، ليأتي بكلام يماثله تماما في النظم والأسلوب ، الأمر الذي لا يمكن بتاتا ، بعد اختلاف اللّغات في أساليب البلاغة والأداء ، وكذا في النكات والدقائق الكلامية السائدة في كل لغة حسب عرفها الخاص. فربّ كناية أو تعريض أو مثل سائر في لغة ، لا تعرفه لغة أخرى ولا تأنس به ، فلو عمد المترجم إلى ترجمة ذلك بعينه ؛ لأصبح غير مفهوم المراد ، وربّما استبشعوا مثل هذا التعبير الغريب عن متفاهمهم.
مثلا قوله تعالى : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً)(١) جاء «غلّ اليد إلى العنق وبسطها كل البسط» ، كناية عن القبض والبسط الفاحش ، أي التقتير والإسراف في المعيشة وفي الإنفاق ، وهي كناية معروفة عند العرب ومأنوسة الاستعمال لديهم. فلو أريد الترجمة بنفس التعبير من لغة أخرى كان ذلك غريبا عليهم حيث لم يألفوه ، فربما استبشعوه وأنكروا مثل هذا التعبير غير المفهم ؛ لأنهم يتصورون من مثل هذا التعبير : النهي عن أن يربط إنسان يديه إلى عنقه برباط من سلاسل وأغلال ، أو يحاول بسط يديه يمينا وشمالا بسطا مبالغا فيه. ولا شكّ أن مثل هذا الإنسان إنما يحاول عبثا ويعمل سفها ؛ لأنه يبالغ في إجهاد نفسه وإتعابها من غير غرض معقول ، الأمر الذي لا ينبغي التعرض له في مثل كتاب الله العزيز الحميد.
__________________
(١) الإسراء / ٢٩.