الثاني : أن يحاول إفراغ المعنى في قالب آخر ، من غير تقيّد بنظم الأصل وأسلوبه البياني ، وإنما الملحوظ هو إيفاء تمام المعنى وكماله ؛ بحيث يؤدّي إفادة مقصود المتكلم بغير لغته ، بشرط أن لا يزيد في البسط بما يخرجه عن إطار الترجمة ، إلى التفسير المحض.
نعم إن هكذا «ترجمة معنوية» قد تفوت بمزايا الكلام الأصل اللّفظيّة ، وهذا لا يضرّ ما دام سلامة المعنى محفوظة. وهذا النمط من الترجمة هو النمط الأوفى والمنهج الصحيح الذي اعتمده أرباب الفنّ. لا يتقيّدون بنظم الأصل ، فيقدّمون ويؤخّرون ، وينظّمون الترجمة حسب أساليب اللغة المترجم إليها ، كما لا يزيدون بكثير على مثال الألفاظ والتعابير التي جاءت في الأصل. فإن حصلت زيادة مطّردة فهو من الشرح والتفسير ، وليس من الترجمة المصطلحة في شيء.
ذكر الشيخ محمد بهاء الدين العاملي (١٠٣١) ـ نقلا عن الصّفوي ـ : أنّ للترجمة طريقين ، أحدهما : طريق يوحنّا بن بطريق وابن الناعمة الحمّصي ، وهو : أن يعمد إلى كل لفظة من ألفاظ الأصل ليأتي بلفظة أخرى ترادفها في الدلالة فيثبتها ، وينتقل إلى أخرى وهكذا ، حتى يأتي على جملة ما يريد ترجمتها ، وهي طريقة رديئة لوجهين :
الأوّل : أنه قد لا توجد في اللغة المترجم إليها لفظة تقابل الأصل تماما ، ومن ثمّ فتقضي الحاجة إلى استيراد نفس الكلمة الأجنبيّة واستعمالها في الترجمة بلا إمكان تبديل ، ومن ثمّ كثرت اللغات الدخيلة اليونانيّة في مصطلحات العلوم المترجمة إلى العربية.
الآخر : أنّ خواصّ التركيب والنسب الكلاميّة في الإسناد الخبري وسائر الإنشاءات والمجاز والاستعارة وما شابه ، تختلف أساليبها في سائر اللغات ، وليست تتّحد في التعبير والإيفاء ، فالترجمة تحت اللّفظيّة قد توجب خللا في