فهذه ميتة ، ثم أحياكم ؛ فهذه حياة ، ثم يميتكم فترجعون إلى القبور ؛ فهذه ميتة أخرى ، ثم يبعثكم يوم القيامة ؛ فهذه حياة. فهما ميتتان وحياتان ، فهو كقوله تعالى : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)(١) ، وهكذا أخرج عن ابن مسعود وأبي مالك وقتادة أيضا (٢).
ثانيا ـ رعايته لأسباب النزول
ولأسباب النزول دورها الخطير في فهم معاني القرآن ؛ حيث الآيات والسور نزلت نجوما ، وفي فترات وشئون يختلف بعضها عن بعض. فإذ كانت الآية تنزل لمناسبة خاصّة ولعلاج حادثة وقعت لوقتها ، فإنها حينذاك ترتبط معها ارتباطا وثيقا. ولو لا الوقوف على تلك المناسبة ، لما أمكن فهم مرامي الآية بالذات ، فلا بدّ لدارس معاني القرآن أن يراعي قبل كل شيء شأن نزول كل آية آية ، ويهتمّ بأسباب نزولها. هذا إذا كان لنزولها شأن خاص ، فلا بدّ من النظر والفحص.
وهكذا اهتمّ حبر الأمّة بهذا الجانب ، واعتمد كثيرا لفهم معاني القرآن على معرفة أسباب نزولها ، وكان يسأل ويستقصي عن الأسباب والأشخاص الذين نزل فيهم قرآن وسائر ما يمسّ شأن النزول ، وهذا من امتيازه الخاص الموجب لبراعته في التفسير. وقد مرّ حديث إتيانه أبواب الصحابة يسألهم الحديث عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، (٣) كان حريصا على طلب العلم ومنهوما لا يشبع :
من ذلك ما رواه جماعة كبيرة من أصحاب الحديث ، بإسنادهم إلى ابن
__________________
(١) البقرة / ٢٨.
(٢) الدر المنثور ، ج ٥ ، ص ٣٤٧. وراجع : الطبري تفسيره ، ج ٢٤ ، ص ٣١.
(٣) الإصابة ، ج ٢ ، ص ٣٣١ ـ ٣٣٢.