أمن آل نعم أنت غاد فمبكر |
|
غداة غد أم رائح فمهجّر؟ |
حتى أتى على آخرها فأقبل عليه نافع بن الأزرق ، فقال : الله يا ابن عباس! إنّا نضرب إليك أكباد الإبل من أقاصي البلاد نسألك عن الحلال والحرام فتتثاقل عنّا ، ويأتيك غلام مترف من مترفي قريش فينشدك :
رأت رجلا أمّا إذا الشمس عارضت |
|
فيخزى وأما بالعشيّ فيخسر! |
فقال : ليس هكذا قال. قال : فكيف قال؟ فقال : قال : رأت رجلا أما إذا الشمس عارضت فيضحى وأما بالعشيّ فيحصر! فقال : ما أراك إلا وقد حفظت البيت! قال : أجل! وإن شئت أن أنشدك القصيدة أنشدتك إيّاها. قال : فإنّي أشاء. فأنشده القصيدة حتى أتى على آخرها. وما سمعها قطّ إلّا تلك المرّة صفحا (١) ، وهذا غاية الذكاء.
فقال له بعضهم : ما رأيت أذكى منك قطّ! فقال : ولكنّي ما رأيت قطّ أذكى من عليّ بن أبي طالب عليهالسلام.
وكان ابن عباس يقول : ما سمعت شيئا قطّ إلّا رويته.
ثم أقبل على ابن أبي ربيعة ، فقال : أنشد ، فأنشده :
تشطّ غدا دار جيراننا ... وسكت.
فقال ابن عباس : وللدار بعد غد أبعد!
فقال له عمر : كذلك قلت ـ أصلحك الله ـ أفسمعته؟ قال : لا ، ولكن كذلك ينبغي!! (٢)
وهذا غاية في الفطنة والذكاء ، مضافا إليه الذوق الأدبي الرفيع!
__________________
(١) أي مرورا وعرضا.
(٢) الأغاني ، ج ١ ، ص ٨١ ـ ٨٣.