كان عبد الله بن عمرو قد أصاب يوم اليرموك زاملتين (١) من كتب أهل الكتاب ، فكان يحدّث منهما ، بما فهمه من هذا الحديث من الإذن في ذلك. ولكن هذه الأحاديث الإسرائيلية إنما تذكر للاستشهاد لا للاعتقاد ، فإنها من الأمور المسكوت عنها ، ولم نعلم صدقها ولا كذبها مما بأيدينا ، فلا نؤمن به ولا نكذّبه ، وتجوز حكايته ، وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني ، وقد أبهمه الله في القرآن ، لا فائدة في تعيينه تعود على المكلّفين في دنياهم ولا دينهم. (٢)
ووافقه على هذا الرأي الأستاذ الذهبي ، قال : كان ابن عباس يرجع إلى أهل الكتاب ويأخذ عنهم ، بحكم اتفاق القرآن مع التوراة والإنجيل ، في كثير من المواضع التي أجملت في القرآن وفصّلت في كتب العهدين. ولكن في دائرة محدودة ضيّقة ، تتّفق مع القرآن وتشهد له. أمّا ما عدا ذلك مما يتنافى مع القرآن ولا يتّفق مع الشريعة ، فكان لا يقبله ولا يأخذ به.
قال : فابن عباس وغيره من الصحابة ، كانوا يسألون علماء اليهود الذين اعتنقوا الإسلام فيما لا يمسّ العقيدة أو يتّصل بأصول الدين وفروعه ، كبعض القصص والأخبار الماضية.
قال : وبهذا المسلك يكون الصحابة قد جمعوا بين قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «حدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج» ، وقوله : «لا تصدّقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم». فإن الأوّل محمول على ما وقع فيهم من الحوادث والأخبار ؛ لما فيها من العظة والاعتبار ، بدليل قوله بعد ذلك : «فإنّ فيهم أعاجيب». والثاني محمول على ما إذا
__________________
(١) أي ملفّتين ، من زمّل الشيء بثوبه أو في ثوبه : لفّه.
(٢) راجع : مقدمته في أصول التفسير ، ص ٤٥ ـ ٤٧.