صالحة ، وخاصّة عن أبي صالح ، وهو معروف بالتفسير ، وليس لأحد أطول من تفسيره. قال : وحدّث عنه ثقات من الناس ورضوه في التفسير (١).
ولأبي حاتم ـ هنا ـ كلام غريب ، ننقله بلفظه :
قال : يروي الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس التفسير ، وأبو صالح لم ير ابن عباس ولا سمع منه شيئا ، ولا سمع الكلبي من أبي صالح إلّا الحرف بعد الحرف ، فجعل لما احتيج له ، تخرج له الأرض أفلاذ كبدها!
قال : لا يحلّ ذكره في الكتب ، فكيف الاحتجاج به! والله جلّ وعلا ولّى رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم تفسير كلامه. (٢) ومحال أن يأمر الله نبيّه أن يبيّن لخلقه مراده ويفسره لهم ، ثمّ لا يفعل ، بل أبان عن مراد الله وفسّر لأمته ما يهمّ الحاجة إليه ، وهو سننه صلىاللهعليهوآلهوسلم فمن تتّبع السّنن ، حفظها وأحكمها ، فقد عرف تفسير كلام الله ، وأغناه عن الكلبي وذويه.
قال : وما لم يبيّنه من معاني الآي ، وجاز له ذلك ، كان لمن بعده من أمّته أجوز وترك التفسير لما تركه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أحرى. ومن أعظم الدليل على أن الله لم يرد تفسير القرآن كله ، أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ترك من الكتاب متشابها من الآي ، وآيات ليس فيها أحكام ، فلم يبيّن كيفيّتها لأمّته ؛ فدلّ ذلك على أن المراد من قوله : (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) كان بعض القرآن لا كلّه (٣).
قلت : هذا كلام ناشئ عن عصبيّة عمياء. كيف يجرأ مسلم متعهّد أن ينسب إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه لم يفسّر لأمته جميع ما أبهم في القرآن إبهاما ، وقد أمره
__________________
(١) تهذيب التهذيب ، ج ٩ ، ص ١٨٠.
(٢) في الآية ، رقم ٤٤ من سورة النحل.
(٣) كتاب المجروحين لابن حبّان ، ج ٢ ، ص ٢٥٥.