قال : وأما التأويل ـ في عرف السلف ـ فله معينان : أحدهما : ما يرادف التفسير والبيان ، وهو الذي عناه مجاهد بقوله : إن العلماء يعلمون تأويل القرآن ، أي تفسيره وتبيينه.
والثاني : نفس المراد بالكلام ، إن كان طلبا فتأويله نفس العمل المطلوب ، وإن كان خبرا فتأويله نفس الشيء المخبر به.
قال : وبين هذا المعنى ـ الأخير ـ والذي قبله ـ الذي جاء أوّلا في عرف السلف ، والذي جاء في عرف المتأخرين ـ بون ؛ فإن الذي قبله يكون التأويل فيه من باب العلم والكلام كالتفسير والشرح والإيضاح ويكون وجود التأويل في القلب واللسان ، له الوجود الذهني واللفظي والرسمي.
وأما هذا ـ المعنى الثاني في عرف السلف ـ فالتأويل فيه نفس الأمور الموجودة في الخارج ، سواء كانت ماضية أو مستقبلة. فإذا قيل : طلعت الشمس ، فتأويل هذا نفس طلوعها.
قال : وهذا الوضع والعرف الثالث ـ الذي جاء ثانيا في عرف السلف ـ هو لغة القرآن التي نزل بها (١).
وقال في تفسير سورة الإخلاص ـ بعد كلام تفصيلي له عن تأويل المتشابه من الآيات ، وأن الراسخين في العلم يعلمون تأويله ، واستعظام أن يكون جبرائيل ومحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم والصحابة والتابعون لهم بإحسان وأئمة المسلمين لا يعرفون تأويل متشابه القرآن ، ويكون الله تعالى قد استأثر بعلم معاني هذه الآيات كما استأثر بعلم الساعة ، وأنهم جميعا كانوا يقرءون ألفاظا لا يفهمون لها معنى ، كما
__________________
(١) رسالة الإكليل ، مطبوعة ضمن المجموعة الثانية من رسائله ص ١٠ و ١٧ ـ ١٨.