مناشئ الجمود. وسنبحث عن مسألة التفسير بالرأي الممنوع.
حرّيته في التفسير العقلي : كان مجاهد حرّ الرأي ، يفسّر القرآن حسبما يبدو له من ظاهر اللفظ ، ويرشده إليه عقله الرشيد وفطرته السليمة ، بعد إحاطته بمفاهيم الكلمات والأوضاع اللغوية والعرفية (حسب متفاهم العرف العام آنذاك) وما كان قد عهده من مباني الشريعة وأسس الدين القويمة. وبعد مراجعة كلمات أعلام الأمّة وخيار الصحابة الأوّلين ، الأمر الذي يجب توفّره في كل مفسر حرّ الرأي ومضطلع خبير.
قال ـ في تفسير قوله تعالى : (فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ)(١) ـ : لم يمسخوا قردة ، وإنما هو مثل ضربه الله ، كما قال : (كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً)(٢). قال : إنه مسخت قلوبهم فجعلت كقلوب القردة لا تقبل وعظا ولا تتّقي زجرا. قال الطبرسي : وهذا يخالف الظاهر الذي عليه أكثر المفسرين من غير ضرورة تدعو إليه (٣).
وللزمخشري هنا كلام يشبه تفسير مجاهد ، في دقّة أدبية لطيفة. قال : قوله تعالى : (كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) خبران ، أي كونوا جامعين بين القردية والخسوء ، وهو الصغار والطرد (٤).
ومن ثمّ قال المولى جمال الدين أبو الفتوح الرازي ـ من أعلام القرن
__________________
(١) البقرة / ٦٥.
(٢) الجمعة / ٥.
(٣) مجمع البيان للطبرسي ، ج ١ ، ص ١٢٩. وراجع : الطبري التفسير ، ج ١ ، ص ٢٦٣. وتفسير مجاهد ، ص ٧٥ ـ ٧٦.
(٤) الكشاف ، ج ١ ، ص ١٤٧.