منصور : قلت لمجاهد : إن أناسا يقولون : إنه تعالى يرى ، فيرون ربهم؟! فقال مجاهد : لا يراه من خلقه شيء. وفي حديث آخر : يرى ولا يراه شيء (١).
وأنت ترى أنّ القول بامتناع الرؤية يخالف عقيدة السلفيّين من أصحاب الظواهر ، ومن ثم رموه بالحياد عن طريقة السلف ، وأنه يفسّر برأيه ، أو أنه يرى مذهب الاعتزال ، كما رموا تلاميذه حسبما يأتي في ابن أبي نجيح راوي تفسيره.
ومن ثم قال الطبري ـ تعقيبا على ذلك ـ : وأولى القولين في ذلك عندنا بالصواب ، القول الذي ذكرناه عن الحسن وعكرمة ، من أنّ معنى ذلك : تنظر إلى خالقها.
قال الأستاذ الذهبي : وهذا التفسير عن مجاهد كان فيما بعد متّكأ قويّا للمعتزلة فيما ذهبوا إليه في مسألة الرؤية (٢).
قلت : والعجيب أن الآراء المستقيمة المتوافقة مع الفطرة والعقل الرشيد ؛ حيث صدرت قديما وحديثا ، فإنها تعزى إلى فريق المعتزلة ، أو هي منشأ لمذاهبهم في العقيدة الإسلامية ، الأمر الذي يجعل من العقل والفطرة ـ في نظر أهل الجمود ـ في قبضة أهل الاعتزال ، وفي منحصر آرائهم ومذاهبهم.
قال الزمخشري : ينظرون إلى أشياء لا يحيط بها الحصر ، فإن المؤمنين نظّارة ذلك اليوم ؛ لأنهم الآمنون الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. فاختصاصه بنظرهم إليه لو كان منظورا إليه ، محال ؛ فوجب حمله على معنى يصح معه الاختصاص. والذي يصح منه أن يكون من قول الناس : أنا إلى فلان ناظر ما يصنع بي ، تريد معنى التوقّع والرجاء ، ومنه قول القائل :
__________________
(١) تفسير الطبري ، ج ٢٩ ، ص ١٢٠.
(٢) التفسير والمفسرون ، ج ١ ، ص ١٠٦.