ينكره أشدّ الإنكار ، ويقول : «سبق الكتاب المسح على الخفّين» (١) ، يعني : أن القرآن نزل بالمسح على الأرجل ، أمّا المسح على الخفّين ـ على ما وردت به بعض الروايات ـ فأمر متأخّر عن نزول الآية ، ولا دليل على نسخ الآية ، رواية لم تثبت (٢).
وهذا الذي ذكره عكرمة هو الذي نقلته الأئمّة عن الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام. فقد روى أبو جعفر الطوسي بإسناده إلى أبي الورد ، قال : قلت لأبي جعفر الباقر عليهالسلام : إن أبا ظبيان حدّثني أنه رأى عليا عليهالسلام أراق الماء ثم مسح على الخفّين! فقال : كذب أبو ظبيان (٣) أما بلغك قول عليّ عليهالسلام فيكم : «سبق الكتاب الخفّين»؟ فقلت : فهل فيهما رخصة؟ فقال : لا ، إلّا من عدوّ تتّقيه ، أو ثلج تخاف على رجليك (٤).
ولا شكّ أن ابن عباس كان يرى رأي الإمام الذي هو شاخص أهل البيت عليهمالسلام فلا وقع لتكذيب عكرمة بأنه خالف شيخه ، فقد افتري عليه كما افتري على الإمام عليهالسلام.
وعقد أبو نعيم الأصبهاني فصلا من حليته (٥) ، أورد فيه من تفاسير مأثورة عن عكرمة ، دررا وغررا هي من جلائل الآثار وكرائم الأفكار ، ويتبيّن منها مدى سعة
__________________
(١) تهذيب التهذيب ، ج ٧ ، ص ٢٦٨.
(٢) ذكر ابو يوسف أن سنّة المسح على الخفّين نسخت آية المسح على الأرجل. أحكام القرآن للجصّاص ، ج ٢ ، ص ٣٤٨.
(٣) هو حصين بن جندب الكوفي. مات سنة ٩٠. وقد أنكروا سماعه من علي عليهالسلام فيما يرويه عنه. تهذيب التهذيب ، ج ٢ ، ص ٣٨٠. ولم يذكره الشيخ في أصحاب الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام.
(٤) الوسائل ، ج ١ ، ص ٣٢٢ ، رقم ٥.
(٥) حلية الأولياء ، ج ٣ ، ص ٣٢٩ ـ ٣٤٧.