كانت إحداهما أخذت في الاندثار ، بينما الأخرى استمرت في الازدهار والتوسّع والانتشار.
وأكثر العلماء التابعين بل الغالبية الساحقة ، هم المتخرجون من هاتين المدرستين.
فكان لهما الفضل الكبير على الأمة ، في تثقيفهم والتنشيط في السعي وراء العلم والمعرفة. ويعود الفضل في ذلك إلى الصحابيين الجليلين : ابن عباس وابن مسعود ، وعلى رأسهما الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام.
هذا مجاهد بن جبر ، متخرّج مدرسة ابن عباس ، وقد أجمعت الأمة على إمامته والاحتجاج بكلامه (١).
رمي بحرّية الرأي في التفسير ، وإن شئت فقل : حظي بقوة الفهم وحدّة النظر ووفور العقل والذكاء.
نعم ، حيث كانت عقليّة الجمود هي الساطية على غوغاء الناس حينذاك ، كان توجيه هكذا تهم إلى أمثال هؤلاء الأفذاذ ، يبدو طبيعيا في ظاهر الحال.
قيل له : أنت الذي تفسّر القرآن برأيك؟! فبكى ، وقال : إنّي إذن لجريء. لقد حملت التفسير (أي أصول مبانيه وطرائق استنباط معانيه) عن بضعة عشر رجلا من أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم.
نعم كان مجاهد يحمل ذهنيّة متحرّرة عن قيود الأوهام ، وعقليّة واعية تمكّنه من إدراك الحقائق ولمسها في واقع أمرها ، دون الاقتصار على الظاهر والاقتناع
__________________
(١) هكذا ذكر الذهبي. وعن سفيان : إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به. وعن الأعمش : إذا نطق خرج من فيه اللؤلؤ. راجع : ترجمته فيما قدّمنا.