القرآن الكريم ، والذي فتح بابه بمصراعين ، نبهاء السلف الصالح أيّام الصحابة والتابعين ، واستمرت طريقتهم الحميدة سنّة حسنة متّبعة حتى اليوم.
قال الرازي في تفسير قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها. فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ ، فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ. فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما ، فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)(١).
قال ـ بعد إيراد إشكال واعتراضات على ظاهر الآية ـ : إذا عرفت هذا فنقول : في تأويل الآية وجوه صحيحة سليمة خالية عن هذه المفاسد :
الأول : فما ذكره القفّال (٢) ؛ أنه تعالى ذكر هذه القصّة على تمثيل ضرب المثل ، وبيان أنّ هذه الحالة هي صورة حالة هؤلاء المشركين في جهلهم وقولهم بالشرك.
قال : وتقرير هذا الكلام ، كأنّه تعالى يقول : هو الذي خلق كل واحد منكم من نفس واحدة ، وجعل من جنسها زوجها إنسانا يساويه في الإنسانية. فلما تغشّى الزوج زوجته وظهر الحمل ، دعا الزوج والزوجة ربهما لئن آتيتنا ولدا صالحا سويّا لنكوننّ من الشاكرين. فلما آتاهما الله ولدا صالحا سويّا ، جعل الزوج والزوجة لله شركاء فيما آتاهما ؛ لأنّهما تارة ينسبون ذلك الولد إلى الطبائع كما هو قول الطبائعيين ، وتارة إلى الكواكب كما هو دأب المنجّمين ، وتارة إلى الأصنام والأوثان كما هو قول عبدة الأصنام.
__________________
(١) الأعراف / ١٨٩ ـ ١٩٠.
(٢) توفّي سنة (٣٦٥ ق)