يتعدّى بإلى ، وإنما يتعدّى بهذا الحرف إذا كان بمعنى الإمالة. فإن قيل : لم لا يجوز أن يقال في الكلام تقديم وتأخير ، والتقدير : فخذ إليك أربعة من الطير فصرهنّ؟ قلنا : التزام التقديم والتأخير من غير دليل ملجئ إلى التزامه خلاف الظاهر.
وأيضا الضمير في «يأتينك» عائد إليها لا إلى أجزائها ، وعلى قولكم : إذا سعى بعض الأجزاء إلى بعض كان الضمير في «ياتينك» عائدا إلى أجزائها لا إلى الطيور أنفسها (١).
ثم إنّ الإمام الرازي يذكر حجج المشهور رادّا على أبي مسلم. وقد نقلها صاحب تفسير المنار وضعّفها ، وأيّد مذهب أبي مسلم في تفسير الآية في شرح وتفصيل ، ثم قال :
وجملة القول : أن تفسير أبي مسلم لهذه الآية هو المتبادر الذي يدلّ عليه النظم ، وهو الذي يجلّي الحقيقة في المسألة ، وأخذ في تقريب ذلك. وأخيرا قال : ولله درّ أبي مسلم ، ما أدقّ فهمه وأشدّ استقلاله فيه (٢).
وهذه أيضا شهادة بشأن أبي مسلم ، من أكبر علماء التفسير في العصر الأخير.
هذا ، ولأمثال أبي مسلم مواقف مشرفة تجاه سائر المفسرين الظاهريين ، كانت نوافذ قلوب أمثاله متفتّحة ، يسيرون في ضوء العقل ، وعلى مناهج التفكير المتين (٣).
وهذا إن دلّ فإنما يدلّ على مدى قوّة الاجتهاد ودوره المجيد في تفسير
__________________
(١) التفسير الكبير ، ج ٧ ، ص ٤١ ـ ٤٢.
(٢) راجع : تفسير المنار ، ج ٣ ، ص ٥٦ ـ ٥٨.
(٣) وسنعرض نماذج من تفاسيرهم التي جاء نسجها على نفس المنوال ، في فصول قادمة إن شاء الله.