تتقدم هذه العناية وتؤذن بها (قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ...) ، أي تترك ذلك مختارا لتفرغ لعبادة الله (١).
وهكذا في قصة إبراهيم الخليل والطيور الأربعة : (قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً)(٢).
قال الرّازي : أجمع أهل التفسير على أنّ المراد : قطّعهن ، غير أبي مسلم فإنّه أنكر ذلك ، وقال : إن إبراهيم عليهالسلام لما طلب إحياء الميّت من الله تعالى أراه الله مثالا قرّب إليه الأمر ، والمراد ب (فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ) : الإمالة والتمرين على الإجابة ، أي فعوّد الطيور الأربعة أن تصير بحيث إذا دعوتها إجابتك وأتتك ، فإذا صارت كذلك فاجعل على كل جبل واحدا حال حياته ثم ادعهنّ يأتينك سعيا. والغرض منه ذكر مثال محسوس في عود الأرواح إلى الأجساد على سبيل السهولة. وأنكر القول بأن المراد منه : فقطّعهن.
قال : واحتجّ على مذهبه بوجوه :
الأوّل : أن المشهور في اللغة في قوله (فَصُرْهُنَّ) : أملهنّ. أمّا التقطيع والذبح فليس في الآية ما يدل عليه. فكان إدراجه في الآية إلحاقا لزيادة بالآية لم يدل الدليل عليها ، وأنه لا يجوز.
الثاني : أنه لو كان المراد ب «صرهنّ» : قطّعهن ، لم يقل : «إليك» ، فإن ذلك لا
__________________
(١) تفسير المنار ، ج ٣ ، ص ٢٩٨ ـ ٢٩٩. ولسيدنا العلامة الطباطبائي هنا كلام غريب رجّح رأي سائر المفسرين وجوّز اشتباه الأمر على الأنبياء لو لا عنايته تعالى برفعه منهم هو عجيب منه. راجع : الميزان ج ٣ ، ص ١٩٤.
(٢) البقرة / ٢٦٠.