بلسانه ، فكان لا يقدر على الكلام إلّا إيماء (١).
وقال القرطبي : لما بشّر بالولد. ولم يبعد عنده هذا في قدرة الله ، طلب آية يعرف بها صحة هذا الأمر ، وكونه من عند الله ، فعاقبه الله بأن أصابه السكوت عن كلام الناس ؛ لسؤاله الآية بعد مشافهة الملائكة إيّاه. (٢) وهكذا أكثر المفسرين من أصحاب النقل في التفسير كابن كثير وأضرابه (٣).
غير أن أرباب التحقيق رفضوا تلك النقول المنافية لأصول العقيدة الإسلامية ، ولا سيّما فيما يمسّ جانب عصمة الأنبياء وصيانتهم عن إمكان غلبة الشيطان على مشاعرهم.
قال الشيخ محمد عبده : ومن سخافات بعض المفسرين ، والتي لا تليق بمقام الأنبياء عليهمالسلام زعمهم أن زكريّا عليهالسلام اشتبه عليه وحي الملائكة ونداؤهم ، بوحي الشياطين ؛ ولذلك سأل سؤال التعجّب ، ثم طلب آية للتثبّت. روى ابن جرير فيما روى : أنّ الشيطان هو الذي شكّكه في نداء الملائكة ، وقال له : إنه من الشيطان.
قال : ولو لا الجنون (٤) بالروايات مهما هزلت وسمجت ، لما كان لمؤمن أن يكتب مثل هذا الهزء والسخف الذي ينبذه العقل ، وليس في الكتاب ما يشير إليه. ولو لم يكن لمن يروي مثل هذا إلّا هذا ، لكفى في جرحه ، وأن يضرب بروايته على وجهه. فعفا الله عن ابن جرير ، إذ جعل هذه الرواية ممّا ينشر.
ثم فسّر الآية وفق ما فسّرها أبو مسلم : (قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً) ، أي علامة
__________________
(١) جامع البيان للطبري ، ج ٣ ، ص ١٧٦ ـ ١٧٧.
(٢) الجامع لأحكام القرآن ، ج ٤ ، ص ٨٠.
(٣) راجع : تفسير ابن كثير ، ج ١ ، ص ٣٦٢.
(٤) أي الشغف بجمع الأخبار مهما كان نمطها.