يقول الإمام الرازي بشأنه ـ وهو أشعري يخالفه في المذهب ـ : «وهذا القول عندي حسن معقول. وأبو مسلم حسن الكلام في التفسير ، كثير الغوص على الدقائق واللطائف» (١).
هذه شهادة راقية من أكبر علم من أعلام التحقيق في الفلسفة والكلام ، بشأن ألمع شخصية بارزة ، مارس عقله وشاور لبّه عند تفهّم القرآن ، ممّن نبذ التقليد وأخذ في التدقيق.
وأنت إذا قارنت هذا التفسير لهذا الموضع بالذات ، مع سائر التفاسير التي عرضها القوم ، تجد الفرق بائنا والبون شاسعا.
ذكر أبو جعفر الطبري : أنّ عدم التكلم هنا كان عن عجز ، سلبه الله القدرة على الكلام ، فيما سوى التسبيح والتحميد ؛ وذلك تمحيصا له من هفوته وخطأ قيله في سؤاله الآية. قيل : إنه لما سمع نداء الملائكة يبشرونه بيحيى ، جاءه الشيطان من فوره ، وقال له : يا زكريا ، إنّ الصوت الذي سمعت ليس من عند الله ، إنما هو الشيطان يسخر بك. قالوا : فشكّ زكريا في مكانه ، وقال : (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ)(٢). ومن ثم طلب من الله أن يجعل له آية ، يرتفع بها شكه ، فعاتبه الله على مسألته تلك وأنه لا ينبغي لنبيّ أن يشكّ.
قال الطبري ـ فيما رواه ـ : إنما عوقب بذلك ، لأن الملائكة شافهته مشافهة بذلك ، فبشّرته بيحيى ، فلما سأل الآية بعد كلام الملائكة مشافهة ، أخذ الله عليه
__________________
(١) التفسير الكبير ، ج ٨ ، ص ٤٠ ـ ٤١.
(٢) آل عمران / ٤٠.