والمعروف عن أهل المدينة أنّهم أصحاب وقف واحتياط (١).
هذا ، وقد راج التفسير العقلي فيما بعد ، ولا سيّما عند المعتزلة ومن حذا حذوهم في تقديم العقل على ظاهر النقل.
هذا أبو مسلم محمد بن بحر الأصفهاني (٢٥٥ ـ ٣٤٤) قد وضع تفسيره على أساس من التفكير الصحيح ، وفق ما يرتضيه الدين الإسلامي الحنيف ، من نبذ التقليد والتمسّك بعرى التحقيق (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) ، (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ..)(٢).
هو عند ما يفسّر قوله تعالى : (قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً. قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً. وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ)(٣) بأنّ زكريّا لما طلب من الله تعالى آية تدلّه على حصول العلوق (انعقاد النطفة في رحم زوجته) قال : آيتك أن لا تكلم ، أي تصير مأمورا بأن لا تتكلّم ثلاثة أيّام بلياليها مع الخلق (أي إذا جاءك الأمر بذلك ، فاعلم أن الحمل بيحيى قد تحقق عند ذلك) أي تكون مشتغلا بالذكر والتسبيح والتهليل ، معرضا عن الخلق والدنيا ، شاكرا لله تعالى على إعطاء مثل هذه الموهبة. فإن كانت لك حاجة ، دلّ عليها بالرمز. فإذا أمرت بهذه الطاعة فاعلم أنه قد حصل المطلوب.
__________________
(١) طبقات المفسرين للداودي ، ج ١ ، ص ١٧٦. وميزان الاعتدال للذهبي ، ج ٢ ، ص ٩٨ ، وراجع : ترجمته هنا.
(٢) محمد / ٢٤ ، النحل / ٤٤.
(٣) آل عمران / ٤١.