فإنه يزيد في قوّة الفهم وإمكان لمس حقائق الأمور ، ويرتفع مستوى قدرة الاستنباط بدرجات ، لا يبلغها من أعوزه النيل منها بنسبة إعوازه.
وهكذا استفاد التابعون ـ ومن بعدهم ـ بالعلوم والمعارف المستجدّة ، والمستزادة مع تقادم الأيام ، استفادوا بها في فهم معاني كلام الله تعالى ، وقد (أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)(١).
سادسا : اعتمادهم على ما فتح الله عليهم من طريق الاجتهاد والنظر في كتاب الله تعالى ، وقد روت لنا كتب التفسير كثيرا من أقوال هؤلاء التابعين في التفسير ، قالوها بطريق الرأي والنظر والاجتهاد ، ممّا لم يصل إلى علمهم شيء فيها عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أو عن أحد الصحابة. فكانوا يعملون النظر فيها ، بإمعان النظر في دلائل وقرائن كانت تساعدهم على فهم الآية ، ممّا مرّت الإشارة إلى بعضها ، وغير ذلك من أدوات الفهم ، ووسائل البحث والتنقيب.
الأمر الذي ساعد على فتح باب الاجتهاد بشأن التفسير ، وفي سائر شئون الشريعة ، واستمرّت الطريقة المرضيّة عبر التاريخ ، وقد نوّهنا عنها.
سابعا : استنادهم إلى نصوص من كتب العهدين ، ممّا جاء إجماله في القرآن ، وتعرّضت لتفاصيلها كتب السالفين ، ممّا لم يحتمل فيه التحريف. كجوانب من تاريخ أنبياء بني إسرائيل وسيرة ملوكهم ، وما شابه من قصصهم وأخبارهم.
وذلك ككثير من قصص إبراهيم الخليل ولوط ويوسف. ففي التوراة ما في القرآن من تفاصيل أخبارهم ، سوى أنّ القرآن جاء بالصحيح المعقول منها ، مختزلا ، بينما في التوراة صور محرّفة ومرفوضة لدى العقل السليم ، سوى بعض لقطات وخطفات جاءت سليمة ، يمكن الاستفادة منها أحيانا. الأمر الذي كان
__________________
(١) الفرقان / ٦.