وفي سورة الأنبياء (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(١).
وظاهر الآيتين يقضي بكون الخطاب موجّها إلى المشركين ، الذين استغربوا نزول الوحي على بشر أو على رجل منهم ؛ حيث قالوا : (ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ)(٢) ، وقال تعالى : (أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ)(٣).
فرفعا لاستغرابهم أفسح لهم المجال كي يتساءلوا بذلك أهل الكتاب ممن يلونهم وكانوا يعتمدونهم. ومن ثمّ جاءت في الآية الأولى : (إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ) ، أي لا تعلمون الكتاب ولا تاريخ الأنبياء والأمم السالفة ، فعليكم بمراجعة من يعلم ذلك من أهل الكتاب.
كما جاء تعقيب الآية الثانية بقوله : (وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ) حيث استغرابهم أن يكون النبيّ إنسانا يأكل الطعام ويمشي في الأسواق.
هذا هو ظاهر معنى الآيتين : تفسير «أهل الذكر» ب «أهل الكتاب».
لكن ورد في تأويلهما ما يقضي بالعموم ، بأن تشمل الآية كل ذوي العلم من أهل الثقافة والمعرفة ، وعلى رأسهم أئمّة أهل البيت عليهمالسلام.
وذلك بإلقاء الخصوصيات المكتنفة بالكلام ، والأخذ بعموم اللفظ وعموم الملاك (أي عموم مناط الحكم) وهو ما يقتضيه العقل من رجوع الجاهل إلى العالم إطلاقا ، وفي جميع مجالات العلم والمعرفة ، بما يعم جميع الثقافات.
__________________
(١). ٢١ / ٧.
(٢) الأنعام / ٩١.
(٣) يونس / ٢.